فَقَالُوا: أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ إِنَّهُ الذَّبْحُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَنَدِمْتُ وَاسْتَرْجَعْتُ فَنَزَلْتُ وَإِنَّ لِحْيَتِي لَمُبْتَلَّةٌ مِنَ الدُّمُوعِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِي إِلَيْهِمْ حَتَّى أَخَذْتُ مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا أُخْرَى حَتَّى جِئْتُ الْمَسْجِدَ وَارْتَبَطْتُ بِالْأُسْطُوَانَةِ الْمَخْلَقَةِ وَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُهُ وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَأَمَّا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» " وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهَا قَالَتْ: فَسَمِعْتُهُ مِنَ السَّحَرِ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ تَضْحَكُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُ؟ قَالَ: مَا شِئْتِ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُطْلِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ أَطْلَقَهُ وَنَزَلَتْ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: ١٠٢] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ ١٠٢) الْآيَةَ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ ارْتَبَطَ بِسِلْسِلَةٍ ثَقِيلَةٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ وَكَادَ يَذْهَبُ بَصَرُهُ فَكَانَتِ ابْنَتُهُ تَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ وَلِلْحَاجَةِ فَإِذَا فَرَغَ أَعَادَتْهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ ارْتَبَطَ سِتَّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فَتَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ تَرْبُطُهُ، فَلَعَلَّ امْرَأَتَهُ تَقَيَّدَتْ بِهِ فِي السِّتِّ وَابْنَتَهُ فِي بَاقِي الْبِضْعَ عَشْرَةَ فَلَا خُلْفَ.
(قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ) فِي مَسْجِدِكَ أَوْ أَسْكُنُ بِبَيْتٍ بِجِوَارِكَ (وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ يَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ وَلَا ابْنَ شِهَابٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ أَبِي بُكَيْرٍ وَلَا أَكْثَرِ الرُّوَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute