أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ التَّكْرَارِ ثَلَاثًا وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ ذِكْرُ التَّكْرَارِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إِنَّ التَّكْرَارَ فِي الْغُسْلِ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا وَصَفَتْ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجَنَابَةِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا» " وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ إِحَالَتَهَا عَلَى وُضُوءِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي التَّثْلِيثَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي عَمَلِ الْغُسْلِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُضُوئِهِ، وَمِنْ شُيُوخِنَا مَنْ كَانَ يُفْتِي سَائِلَهُ بِالتَّكْرَارِ، وَقِيلَ مَعْنَى التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِغَسْلِهِمَا فِي الْوُضُوءِ عَنْ إِعَادَتِهِ وَعَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ عُضْوٍ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَشْرِيفًا لَهَا وَلِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي غُسْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ غَسَلَهَا فِي وُضُوئِهِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ الْأَعْضَاءَ خَاصَّةً لِلسُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغُسْلِ رُتْبَةٌ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلْحَدَثِ اه.
وَأَوْرَدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مَغْسُولَةٌ عَنِ الْجَنَابَةِ إِذْ لَوْ كَانَتْ لِلْوُضُوءِ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ لِعَدَمِ الْمُغَايَرَةِ، وَأَجَابَ بِحُصُولِ الْمُغَايَرَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَبَّهَ الْوُضُوءَ الْوَاقِعَ فِي ابْتِدَاءِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ الْمُعْتَادِ الْمُنْفَرِدِ بِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ الْغُسْلِ، وَبِأَنَّ وُضُوءَ الصَّلَاةِ لَهُ صُورَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ ذِهْنِيَّةٌ فَشَبَّهَ هَذَا الْفَرْدَ الْوَاقِعَ فِي الْخَارِجِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فِي الذِّهْنِ.
(ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا) أَيْ أَصَابِعَهُ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْإِنَاءِ (أُصُولَ شَعْرِهِ) أَيْ شَعْرِ رَأْسِهِ لِرِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: يُخَلِّلُ بِهَا شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ فَيُتْبِعُ بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى تَخْلِيلِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ إِمَّا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: أُصُولُ شَعْرِهِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ، وَفَائِدَةُ التَّخْلِيلِ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الشَّعْرِ وَالْبَشْرَةِ وَمُبَاشَرَةِ الشَّعْرِ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ وَتَأْنِيسُ الْبَشْرَةِ لِئَلَّا يُصِيبَهَا بِالصَّبُّ مَا تَتَأَذَّى بِهِ، ثُمَّ هَذَا التَّخَلُّلُ غَيْرُ وَاجِبٍ اتِّفَاقًا إِلَّا إِنْ كَانَ الشَّعْرُ مُلَبَّدًا بِشَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاءِ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى أُصُولِهِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: ثُمَّ يُشَرِّبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ.
(ثُمَّ يَصُبُّ) ذَكَرْتُهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَمَا قَبْلَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَهُوَ الْأَصْلُ لِإِرَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ لِلسَّامِعِينَ، (عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ غَرْفَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي مُمَيَّزِ الثَّلَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute