هُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَلَغَهُ عَنْهُ بِتَبْلِيغِ مَنْ شَاهَدَهُ أَوْ سَمِعَهُ كَصَحَابِيٍّ آخَرَ، عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ اللَّيْثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ - أَيْ وَمُسْلِمٍ - تُزِيلُ الْإِشْكَالَ كُلَّهُ. وَلَفْظُهُ: فَقَالَ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " نَزَلَ جِبْرِيلُ " فَذَكَرَهُ.
زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَمَا زَالَ عُمَرُ يَعْتَلِمُ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِعَلَامَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَإِنْ قِيلَ جَهْلُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ لَا يَسَعُ أَحَدًا فَكَيْفَ جَازَ عَلَى عُمَرَ؟ قِيلَ: لَيْسَ فِي جَهْلِهِ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِعِلْمِ الْمَوَاقِيتِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِهَا وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَمَلًا وَاتِّفَاقًا وَأَخْذًا عَنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُ ذَلِكَ كَيْفَ كَانَ النُّزُولُ مِنْ جِبْرِيلَ بِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بِمَا سَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ كَمَا سَنَّ غَيْرَ مَا شَيْءٍ وَفَرَضَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ انْتَهَى.
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِتَفَاصِيلِ الْأَوْقَاتِ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَمِرِّ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّ أَصْلَهُ بِتَبْيِينِ جِبْرِيلَ بِالْفِعْلِ، فَإِذَا اسْتَثْبَتَ فِيهِ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ لَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ وَكَذَا يُحْمَلُ عَمَلُ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى جَوَابِ الْمُغِيرَةِ لِأَبِي مَسْعُودٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَكَذَا سِيَاقُ ابْنِ شِهَابٍ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ عُرْوَةَ، لَكِنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى عُمَرَ إِذْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْأَوْقَاتَ.
وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ اخْتِصَارًا وَقَدْ وَرَدَ بَيَانُهَا مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ، فَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ وَالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ ذَلِكَ زَمَانًا يُؤَخِّرُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ، فَحَدَّثَ عُرْوَةُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ وَبَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ كِلَاهُمَا قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَلَكَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الظُّهْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الْعَصْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الْعِشَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute