للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خَاصَّةٌ بِالْعُرْسِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الدَّالِ دَعْوَةُ الطَّعَامِ، أَمَّا دَعْوَةُ النَّسَبِ فَبِكَسْرِهَا، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ، وَعَكَسَهُ تَيْمُ الرِّبَابِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، فَقَالُوا: الطِّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسْخُ بِالْفَتْحِ، وَقَوْلُ قُطْرُبٍ: دَعْوَةُ الطُّعَامِ بِالضَّمِّ غَلَّطُوهُ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الدَّعْوَةِ أَعَمَّ لِقَوْلِهِ: (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إِذْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِجَابَةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يَقُولُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ، أَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: بَيَّنَ الْحَدِيثُ وَجْهَ كَوْنِهِ شَرَّ الطَّعَامِ بِأَنَّهُ يُدْعَى لَهُ الْغَنِيُّ عَنْ أَكْلِهِ وَيُتْرَكُ الْمُحْتَاجُ لِأَكْلِهِ، وَالْأَوْلَى الْعَكْسُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ ; إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحُرْمَةِ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى كَخَبَرِ: " «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهًا آخِرُهَا» ". وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ، وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى دَعْوَةِ الْفَقِيرِ وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ بِحَالِ النَّاسِ وَاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ وَكَانُوا أَوْلَى بِهَا لِسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَخَيْرُ الْأَفْعَالِ أَكْثَرُهَا أَجْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُكَارَمَةِ، وَإِنْ كَانَ رَفْعُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَهُوَ إِخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَقَدْ كَرِهَ الْعُلَمَاءُ تَخْصِيصَ الْأَغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ أُمْرِنَا أَنْ لَا نُجِيبَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ فَارَقَ السُّنَّةَ فِي وَلِيمَتِهِ فَلَا دَعْوَةَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْتُمُ الْعَاصُونَ فِي الدَّعْوَةِ.

وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ فِي وَلِيمَةٍ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ وَمَعَهَا الْمَسَاكِينُ، فَقَالَ لَهُمْ: هَاهُنَا فَاجْلِسُوا لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ سَنُطْعِمُكُمْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَمَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَ ابْنُ شِهَابٍ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، وَتَابَعَ الْأَعْرَجُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ: " سَمِعْتُ ثَابِتًا الْأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «شَرُّ الطَّعَامِ الْوَلِيمَةُ، يَمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " فَخَالَفَ ثَابِتٌ وَهُوَ ابْنُ عِيَاضٍ الْأَحْنَفَ الْأَعْرَجَ الْعَدَوِيَّ مَوْلَاهُمْ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ فَإِنَّهُمَا وَقَّفَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَثَابِتٌ رَفَعَهُ عَنْهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رَفْعِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ.

وَفِي التَّمْهِيدِ: رَوَى جَمَاعَةٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ إِشْكَالٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِئْسَ الطَّعَامُ» فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَرْفُوعًا. اهـ. لَكِنَّ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>