وَغَيْرِهِ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ) فِي مَرَّةٍ (فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: طُلِّقَتْ مِنْكَ بِثَلَاثٍ) مِنَ الْمِائَةِ (وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) مَهْزُوءًا بِهَا بِمُخَالَفَاتِهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا. وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ رَادُّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الْأُحْمُوقَةَ ثُمَّ يَقُولُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ ٢) وَأَنْتَ لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَكَ مَخْرَجًا، عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ ". وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الثَّلَاثِ لِمَنْ أَوْقَعَهَا مُجْتَمِعَةً. وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ طَلَّقْتَهَا؟ قَالَ: ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَارْتَجَعَهَا» ". فَأُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ وَشَيْخَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا، وَقَدْ عُورِضَ بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُخَالِفْهُ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ عَنْهُ فَلَمْ يُخَالِفْهُ إِلَّا لِظُهُورِ عِلَّةٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْعَمَلِ بِهِ كَنَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ لِرُكَانَةَ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ، بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ قَائِلًا: إِنَّ خِلَافَهُ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute