الْقَائِلُ فِيهِ مَالِكٌ: ذَهَبَتْ حَلَاوَةُ الْفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيعَةُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَرَاءٌ ثَانِيَةٌ فَهَاءُ تَأْنِيثٍ، بِزِنَةِ فَعَيْلَةٍ، مِنَ الْبَرِيرِ، وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، قِيلَ اسْمُ أَبِيهَا صَفْوَانُ وَإِنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقِيلَ كَانَتْ نَبَطِيَّةً وَقِيلَ قِبْطِيَّةً وَقِيلَ حَبَشِيَّةً، مَوْلَاةُ عَائِشَةَ، وَكَانَتْ تَخْدِمُهَا قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَهَا، قِيلَ وَكَانَتْ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ لِآلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَقِيلَ لِبَنِي هِلَالٍ، وَقِيلَ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَالَّذِي هُوَ مَوْلَاهُمْ إِنَّمَا هُوَ زَوْجُهَا وَالثَّانِي خَطَأٌ، فَإِنَّ مَوْلَى عُتْبَةَ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَكَرَتْ لَهُ قِصَّةَ بَرِيرَةَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَ أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ بَرِيرَةَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَتْ تَقُولُ لِي: إِنِّي أَرَى فِيكَ خِصَالًا وَإِنَّكَ لَخَلِيقٌ أَنْ تَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ، فَإِنْ وَلَيْتَهُ فَاحْذَرِ الدِّمَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَعُ عَنْ بَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ بِمَلْءِ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ يُرِيقُهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» ، انْتَهَى. عَاشَتْ بَرِيرَةُ إِلَى زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.
(ثَلَاثُ سُنَنٍ) أَيْ عُلِمَ بِسَبَبِهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَعْنَى أَنَّهَا شُرِعَتْ فِي قِصَّتِهَا وَمَا يَظْهَرُ فِيهَا مِمَّا سِوَى ذَلِكَ كَانَ قَدْ عَلِمَ قِصَّتَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَشْقِيقِ الْمَعَانِي مِنْ حَدِيثِ بِرَيْرَةَ وَتَخْرِيجِهَا، فَلِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ فِيهِ كِتَابٌ، وَلِجَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ أَبْوَابٌ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ وَاسْتِنْبَاطٌ مُحْتَمَلٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دَلِيلٍ، وَالَّذِي قَصَدَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ عِظَمُ الْأَمْرِ فِي قِصَّتِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ مَا يَنِيفُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَائِدَةً، وَجَمَعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَوَائِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فَزَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ لَخَّصَهَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بَرِيرَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيَّ ثَلَاثُ سُنَنٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ خَطَأٌ يُعْنَى وَالصَّوَابُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ " أَرْبَعُ سُنَنٍ " وَزَادَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ (فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالَّذِي أَعْتَقَهَا عَائِشَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ (فَخُيِّرَتْ) بِضَمِّ الْخَاءِ (فِي) فِرَاقِ (زَوْجِهَا) وَفِي الْبَقَاءِ مَعَهُ عَلَى عِصْمَتِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَرِيرَةَ: اذْهَبِي فَقَدْ عُتِقَ مَعَكِ بِضْعُكِ» ". وَزَادَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا: " فَاخْتَارِي " وَإِنَّمَا خُيِّرَتْ لِتَضَرُّرِهَا بِالْمَقَامِ تَحْتَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَتَعَيَّرُ بِهِ وَأَنَّ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ عَنْهَا، وَأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لَهَا ; لِأَنَّ الْكَمَالَ الْحَادِثَ لَهَا حَاصِلٌ لَهُ، فَأَشْبَهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute