الرِّوَايَتَانِ فِي الْقُوَّةِ، أَمَّا مَعَ التَّفَرُّدِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ فَالْمُفْرَدَةُ شَاذَّةٌ وَالشَّاذُّ مَرْدُودٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرِ الْجُمْهُورُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا يُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَظْهَرِ الْغَلَطُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يَوْمَ أُعْتِقَتْ، وَهَذَا يُبْطِلُ الْجَمْعَ، " وَمُغِيثٌ " بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِمَّنْ قَالَ " مُعَتَّبٌ " بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ.
(وَ) السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حِينَ أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا وَقَالَ أَهْلُهَا: الْوَلَاءُ لَنَا ( «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ. وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. (وَ) السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حُجْرَةَ عَائِشَةَ (وَالْبُرْمَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هِيَ الْقِدْرُ مُطْلَقًا وَجَمْعُهَا بُرَمٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْحَجَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْحِجَازِ (تَفُورُ) بِالْفَاءِ (بِلَحْمٍ) وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، وَكَذَا لِابْنِ وَهْبٍ وَزَادَ: فَدَعَا بِطَعَامٍ (فَقُرِّبَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ: قُدِّمَ (إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ إِدَامٍ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً) عَلَى النَّارِ (فِيهَا لَحْمٌ؟) » وَالْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ ( «فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ» ) بِضَمِّ التَّاءِ وَالصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ ( «بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ) لِحُرْمَتِهَا عَلَيْكَ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ عَلَيْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا (صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ) » حَيْثُ أَهْدَتْهُ لَنَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ يُسَوَّغُ لِلْفَقِيرِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِهْدَاءِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَتَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ، وَأَفَادَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الصِّفَةِ لَا عَلَى الْعَيْنِ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الصَّدَقَةِ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا، فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَلَوْ هَاشِمِيًّا أَكْلُهَا وَشِرَاؤُهَا، وَسَأَلَ الْأُبِّيُّ: هَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْفَقُ مِنْ نُزُولِ الْمُرَابِطِينَ بِبَعْضِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَيُضَيِّفُونَهُمْ بِحَرَامٍ أَوِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَيَجْعَلُونَ بَعْضَ فُقَرَائِهِمْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ صَدَقَةً ثُمَّ يَهَبُهُ لَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ - يَقُولُ: لَا يُنْجِيهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَحَيُّلٌ، نَعَمْ إِذَا تَحَقَّقَتِ الْمَفْسَدَةُ بِعَدَمِ الْأَكْلِ جَازَ. وَمِنَ الْمَصَالِحِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْأَكْلِ خَوْفُهُمْ إِنْ لَمْ يَأْكُلُوا عَدَمَ قَبُولِهِمْ فِي رَدِّ مَا نَهَبُوهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَقْلِيلُ الْأَكْلِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّ سُؤَالَ الرَّجُلِ عَمَّا يَرَى فِي بَيْتِهِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مُنَافٍ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ لَيْسَ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute