هُرَيْرَةَ: " «ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا رَأْسُهُ يَنْطِفُ مَاءً وَقَدِ اغْتَسَلَ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " فَصَلَّى بِهِمْ " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ: " «إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ» "، وَفِيهِ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ لِلتَّشْرِيعِ، وَطَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَجَوَازُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَكَبَّرَ، وَقَوْلُهُ: فَصَلَّى بِهِمْ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ لَمْ تَعُدْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالضَّرُورَةِ وَبِأَمْنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ.
وَعَنْ مَالِكٍ: إِذَا بَعُدَتِ الْإِقَامَةُ مِنَ الْإِحْرَامِ تُعَادُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ، فَإِنْ طَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْإِقَامَةِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَكَانَكُمْ ".
وَقَوْلُهُ: وَخَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ التَّفْرِيقَ إِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ الْإِقَامَةَ طَالَ التَّفْرِيقُ أَوْ لَا، كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْمُصَلِّي بِثَوْبٍ نَجِسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَسْتَأْنِفُ الْإِقَامَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقَهْقَهَةِ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ، فَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الْإِقَامَةَ وَإِلَّا بَنَى عَلَيْهَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ فِي الدِّينِ، وَسَبِيلُ مَنْ غَلَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرِهِ مُوهَمٌ كَأَنْ يُمْسِكُ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِلثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَاحْتَلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى جَوَازِ تَكْبِيرِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَبِّرُوا بَعْدَ تَكْبِيرِهِ الْوَاقِعِ بَعْدَمَا اغْتَسَلَ بَلِ اكْتَفَوْا بِتَكْبِيرِهِمْ أَوَّلًا.
وَقَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: هَذَا خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَعْوَى ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاقَضَ أَصْلَهُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ مُتَعَقَّبَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا بَلْ يَحْتَجُّ مِنْهُ بِمَا اعْتَضَدَ وَهُنَا كَذَلِكَ لِاعْتِضَادِهِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَفِيهِ تَخْصِيصُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ بِمَنْ لَيْسَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ فَيَلْحَقُ بِالْجُنُبِ الْمُحْدِثُ وَالرَّاعِفُ وَالْحَاقِنُ وَنَحْوُهُمْ، وَكَذَا مَنْ يَكُونُ إِمَامًا بِمَسْجِدٍ آخَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ وَبِالتَّخْصِيصِ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فِي مَسْجِدِي ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِقٌ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute