الْمَرْأَةِ) الْمُعَيَّنَةِ (قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ أَثِمَ) أَيْ حَنِثَ (إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا) مِنْ بَابِ لُزُومِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْمَخْزُومِيِّ: لَا يَقَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ، فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخِلَافِيَّاتِ الشَّهِيرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ بَعْضَهَا، وَأَحْسَنُهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مَرْفُوعًا: " «لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ» ". وَلِأَبِي دَاوُدَ: " لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِمَا ; لِأَنَّ الَّذِي دَلَّا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْتِزَامِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ.
وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً فَهِيَ طَالِقٌ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَا مُلِكَ، قَالُوا: فَابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إِذَا وَقَّتَ وَقْتًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَقَالَ اللَّهُ: إِذَا طَلَّقْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا إِنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ ٤٩) وَلَمْ يَقُلْ: إِذَا طَلَّقْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. اهـ. وَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهَا فَلَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute