غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَا يَشْمَلُ مَا ذُكِرَ، فَإِذَا عَمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِيمَا عَدَاهَا بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ وَابْتَعْ مِمَّنِ اشْتَرَى الْجَمْعَ، بَلْ خَرَجَ الْكَلَامُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لَعِينِ الْبَائِعِ مَنْ هُوَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَيْعُ التَّمْرِ الْجَمْعُ بِالدَّرَاهِمِ وَشِرَاءُ الْجَنِيبِ بِهَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ الصَّرْفَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِدَرَاهِمَ وَيَشْتَرِي بِهَا ذَهَبًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ، وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالذَّرَائِعِ كَذَلِكَ وَغَيْرُهُ يُرَاعِي السَّلَامَةَ فِي ذَلِكَ لَا يَفْسَخُ بَيْعًا قَدِ انْعَقَدَ إِلَّا بِيَقِينٍ وَقَصْدٍ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ الْحِيلَةِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَرْضٍ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ يُقْرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَبْرِيَهُ، أَوْ يَتَوَاهَبَا، أَوْ يَهَبَ الْفَاضِلَ مَالِكُهُ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْهُ مَا عَدَاهُ بِمَا يُسَاوِيهِ، فَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ، نَعَمْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ إِذَا نَوَيَا ذَلِكَ ; لِأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ أَفْسَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ الْعَقْدَ يُكْرَهُ إِذَا نَوَاهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ كُرِهَ، ثُمَّ هَذِهِ الطُّرُقُ لَيْسَتْ حِيَلًا فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ حَرَامٌ، بَلْ حِيَلٌ فِي تَمْلِيكِهِ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ فَفِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ تَسَامُحٌ اهـ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ قُتَيْبَةَ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute