بَكْرٍ: إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ» " فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ضَيَاعَ الْعِقْدِ كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْإِخْبَارِيُّ فَقَالَ: سَقَطَ عِقْدُهَا فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَفِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي أَيِّهِمَا كَانَتْ أَوَّلًا.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصْنَعُ " فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّابِعَةِ وَهِيَ بَعْدُهَا بِلَا خِلَافٍ
(حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ وَهِيَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحَلِيفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ.
(أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، مَوْضِعٌ عَلَى بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقِيقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْعَقِيقُ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ لَا مِنْ طَرِيقِ خَيْبَرَ، فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: الْبَيْدَاءُ وَذَاتُ الْجَيْشِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْقِلَادَةَ سَقَطَتْ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ وَالْأَبْوَاءُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
وَلِلنَّسَائِيِّ وَجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الصُّلْصُلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ أُولَاهُمَا سَاكِنَةٌ وَهُوَ جَبَلٌ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ذَكَرَهُ الْبِكْرِيُّ فِي الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَوَهِمَ مُغَلْطَايُ فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَزَادَهُ وَهْمًا، ذَكَرَهُ كُلَّهُ الْحَافِظُ وَقَالَ غَيْرُهُ وَالشَّكُّ مِنْ عَائِشَةَ.
(انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَيُسَمَّى قِلَادَةٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: «سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ» " وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَنَّ الْعِقْدَ كَانَ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ، وَجَزْعٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ يَمَنِّيٌّ وَظِفَارٌ مَدِينَةٌ بِسَوَاحِلِ الْيَمَنِ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَصْرُوفٌ أَوْ فَتْحِهَا، وَالْبِنَاءُ بِوَزْنِ قَطَامٍ، وَإِضَافَتُهُ إِلَيْهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا وَتَصَرُّفِهَا فَلَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْهُ مِنْ أَسْمَاءَ أُخْتِهَا بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ دَعْوَى تَعَدُّدِهَا.
(فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِهِ (وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَاعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ قُلْتَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ثَمَنَ الْعِقْدِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَيَلْحَقُ بِتَحْصِيلِ الضَّائِعِ الْإِقَامَةُ لِلِحَاقِ الْمُنْقَطِعِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْإِقَامَةِ فِي مَكَانٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَسُلُوكِ طَرِيقٍ لَا مَاءَ فِيهَا، وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ وَهُمْ عَلَى قَصْدِ دُخُولِهَا، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَعَ الرَّكْبِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَكَانَ لَا مَاءَ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ أَيْ لِلْوُضُوءِ، وَأَمَّا الشُّرْبُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَعَهُمْ وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ إِرْسَالِ الْمَطَرِ وَنَبْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute