للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَنَةَ عِشْرِينَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ (مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) بَلْ هِيَ مَسْبُوقَةٌ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُرَادُ بِآلِهِ نَفْسُهُ وَأَهْلُهُ وَأَتْبَاعُهُ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ.

وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ أُسَيْدٌ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا.

وَفِي لَفْظٍ لَهُ: إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً.

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أُسِيدٌ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ فِي طَلَبِ الْعِقْدِ الَّذِي ضَاعَ.

وَفِي تَفْسِيرِ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: مَا كَانَ أَعْظَمُ بَرَكَةَ قِلَادَتِكِ» " (قَالَتْ: فَبَعَثْنَا) أَيْ أَثَرْنَا (الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ) رَاكِبَةً (عَلَيْهِ) حَالَةَ السَّيْرِ (فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَوَّلًا لَمْ يَجِدُوهُ.

وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْبُخَارِيِّ: فَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَوَجَدَهَا أَيِ الْقِلَادَةَ.

وَلِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَطَلَبَهَا.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: فَبَعَثَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَنَاسًا مَعَهُ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أُسَيْدًا كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ فَلِذَا سُمِّيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأُسْنِدَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةٍ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْعِقْدَ أَوَّلًا، فَلَمَّا رَجَعُوا وَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ وَأَثَارُوا الْبَعِيرَ وَجَدَهُ أُسَيْدٌ.

فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فَوَجَدَهَا أَيْ بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْتِيشِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ فَاعِلَ وَجَدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ بَالَغَ الدَّاوُدِيُّ فِي تَوْهِيمِ رِوَايَةِ عُرْوَةَ، وَنَقَلَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ حَمَلَ الْوَهْمَ فِيهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ رَاوِيهَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ بَانَ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمْ وَلَا وَهْمَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ.

وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي النِّكَاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَنَاقِبِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَفِي التَّفْسِيرِ وَالْمُحَارِبِينَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ، وَقَدْ رَوَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قِصَّتَهَا هَذِهِ لَكِنِ اخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ فَوَرَدَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِذِكْرِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي السُّنَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى الْإِبِطِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَكَذَا نِصْفُ الذِّرَاعِ فَفِيهِمَا مَقَالٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ إِلَى الْآبَاطِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنْ كَانَ وَقَعَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّ تَيَمُّمٍ صَحَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْحُجَّةُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَمِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَوْنُ عَمَّارٍ كَانَ يُفْتِي بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَاسِيَّمَا الصَّحَابِيُّ الْمُجْتَهِدُ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>