يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْيَدِ وَسُوءِ النَّقْلِ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ وَرَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ كُلُّهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَمَّا لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَلَا.
( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» ) الْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهِ اتِّفَاقًا لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَعَنْ بَيْعِهِ وَالْأَمْرِ بِقَتْلِهِ، وَمَنْ لَا ثَمَنَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ إِذَا قُتِلَ، وَالْمَأْذُونُ فِي اتِّخَاذِهِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَةَ الْمَنْفَعَةِ لَا تُبِيحُ الْمَبِيعَ كَأُمِّ الْوَلَدِ يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَا تُبَاعُ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ كَالشَّافِعِيِّ نَجَاسَتُهُ فَلَا يُبَاعُ مُطْلَقًا كَمَا لَا تُبَاعُ الْعَذِرَةُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا حَتَّى قَالَ سَحْنُونٌ: أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ، وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ لِحَدِيثِ النَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» " لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
(وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.
(وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرُ حَلَوْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتَهُ، إِلَى هُنَا الْحَدِيثُ، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ: (يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَى) وَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا وَسُمِّيَ مَهْرًا لِشَبَهِهِ بِالْمَهْرِ فِي الصُّورَةِ.
(وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) رِشَوْتُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا.
(وَ) هِيَ (مَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَهَّنَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ شَبَّهَ مَا يُعْطَى الْكَاهِنُ بِشَيْءٍ حُلْوٍ لِأَخْذِهِ إِيَّاهُ سَهْلًا دُونَ كُلْفَةٍ، يُقَالُ: حَلَوْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْحُلْوَ، وَعَسَلْتُهُ إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْعَسَلَ، وَالْحُلْوُ أَيْضًا الرِّشْوَةُ وَالْحُلْوَانُ فِي غَيْرِ هَذَا مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَ النِّسَاءِ، قَالَتِ امْرَأَةٌ تَمْدَحُ زَوْجَهَا: لَا يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِنَا.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ مَا يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ كَذِبٌ كُلُّهُ، قَالَ تَعَالَى: {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: ٢٢٢] (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ ٢٢٢) وَهُوَ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَاهِنُ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنِ الْكَوَائِنِ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُدْرِكُ الْأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَقُ فَيَعْرِفُ الْمَظْنُونَ بِهِ السَّرِقَةُ، وَالْمَرْأَةِ تُتَّهَمُ فَيَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا، وَالْحَدِيثُ شَامِلٌ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ.
وَفِي الْإِجَارَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّيْثُ فِي مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا