حَمْلُ الْعَامِّ عَلَيْهِ فَيَخُصُّ الطَّهُورِيَّةَ بِالتُّرَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ تُرْبَةَ كُلِّ مَكَانٍ مَا فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بِلَفْظِ: " وَتُرَابُهَا " رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: " «وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، فَقَوِيَ تَخْصِيصُ عُمُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ بِالتُّرَابِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ الْعُمُومِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ ٦٨) انْتَهَى، أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا، وَالتُّرَابُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلصَّعِيدِ لِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ فَالنَّصُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ لِبَيَانِ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ لَا يُجَزِئُ غَيْرُهُ، وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ بَعْدَ بَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجُنُبِ: " «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» " فَنَصَّ لَهُ عَلَى الْعَامِّ فِي وَقْتِ الْبَيَانِ، وَدَعْوَى أَنَّ الْحَدِيثَ سَبَقَ لِإِظْهَارِ التَّخْصِيصِ وَالتَّشْرِيفِ، فَلَوْ جَازَ بِغَيْرِ التُّرَابِ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَعَلِيٍّ مَمْنُوعَةٌ، وَسَنَدُهُ عَلَيْهِ أَنَّ شَأْنَ الْكَرِيمِ الِامْتِنَانُ بِالْأَعْظَمِ وَتَرْكُ الْأَدْوَنِ، عَلَى أَنَّهُ قَدِ امْتَنَّ بِالْكُلِّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَقَدْ حَصَلَتِ الْمِنَّةُ بِهَذَا تَارَةً وَبِالْآخَرِ أُخْرَى لِمُنَاسَبَةِ اقْتِضَاءِ الْحَالِ، وَكَذَا زَعَمَ أَنَّ افْتِرَاقَ اللَّفْظِ بِالتَّأْكِيدِ فِي رِوَايَةِ: وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا دُونَ الْآخَرِ دَالٌّ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا لِعَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِلَا تَأْكِيدٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاقِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ افْتِرَاقَ الْحُكْمِ لَمَا تَرَكَهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَدْ يَكُونُ تَأْكِيدُ كَوْنِ الْأَرْضِ مَسْجِدًا رَدًّا عَلَى مُنْكِرِ ذَلِكَ دُونَ كَوْنِهَا صَعِيدًا لِثُبُوتِهِ بِالْقُرْآنِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ الْبَتَّةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute