للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِحْدَى التَّاءَيْنِ، أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوا (الرُّكْبَانَ) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْمَتَاعَ إِلَى الْبَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمُوا (لِلْبَيْعِ) أَيْ لِمَحَلِّ بَيْعِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ، وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ قُرْبَ الْمِصْرِ وَأَطْرَافِهِ وَفِي حَدِّهِ بِمِيلٍ وَفَرْسَخَيْنِ وَيَوْمَيْنِ، رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ حَكَاهَا فِي الْمُعَارَضَةِ.

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَالْمَذْهَبُ مَنَعَهُ كَلَامُ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَمْتَنِعُ التَّلَقِّي فِيمَا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: النَّهْيُ عَنْهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، وَلَا يُعَارِضُهُ: " «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» " الْمُقْتَضَى عَدَمُ الِاسْتِقْصَاءِ لِلْجَالِبِ، وَالتَّلَقِّي يَقْتَضِي الِاسْتِقْصَاءَ لَهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَلِذَا قُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاحِدِ الْجَالِبِ فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ مُتَعَارِضَانِ.

أَبُو عُمَرَ: أُرِيدَ بِالنَّهْيِ نَفْعُ أَهْلِ السُّوقِ لَا رَبِّ السِّلْعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَكْسُهُ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ التَّلَقِّي إِلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ.

(وَلَا يَبِعْ) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَبِيعُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ ( «بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَا يَشْتَرِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّمَا النَّهْيُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَكَادُ يَدْخُلُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ زِيَادَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرَى.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيُمْنَعُ الْبَائِعُ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِذَا رَكَنَ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَإِنَّمَا حُمِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْخَاصَ مُسْتَحَبٌّ مَشْرُوعٌ، فَإِذَا أَتَى مَنْ يَبِيعُ بِأَرْخَصَ مِنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يُمْنَعْ، وَقَدْ مُنِعَ مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَفِيهِ إِرْخَاصٌ عَلَى مُتَلَقِّيهَا، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ إِغْلَاءً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ الَّذِينَ هُمْ أَعَمُّ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَقِّي.

وَقَالَ عِيَاضٌ: الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْرِضَ سِلْعَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِرُخْصٍ لِيَزِيدَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةِ الْآخَرِ الرَّاكِنِ إِلَى شِرَائِهَا، قَالَ الْأُبِّيُّ: الْبَيْعُ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ إِذَا انْعَقَدَ الْأَوَّلُ، فَلَمَّا تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ حُمِلَ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازِ إِلَيْهَا وَهُوَ الْمُرَاكَنَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ وَالْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ أَنْ يَعْرِضَ بَائِعٌ سِلْعَتَهُ عَلَى مُشْتَرٍ رَاكِنٍ لِلْأَوَّلِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ الْيَوْمَ، يَرَاكِنُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ الْمُشْتَرِي فَيَنْشُرُ الْآخَرُ بِحَانُوتِهِ سِلْعَةً نَظِيرَهَا بِحَيْثُ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي ( «وَلَا تَنَاجَشُوا» ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ.

(وَلَا يَبِعْ) بِالْجَزْمِ نَهْيًا، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَبِيعُ " بِالرَّفْعِ نَفْيًا بِمَعْنَاهُ (حَاضِرٌ لِبَادٍ) أَيْ لَا يَكُونُ سِمْسَارًا لَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ خَاصَّةً الْبَعِيدِينَ عَنِ الْحَاضِرَةِ الْجَاهِلِينَ بِالسِّعْرِ فِيمَا يَجْلِبُونَهُ مِنْ فَوَائِدِ الْبَادِيَةِ دُونَ شِرَاءٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْحَدِيثِ إِرْفَاقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>