الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ اللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ، أَيْ: لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ، لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، فَلَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَخَبَرُ لَا خِلَابَةَ مَحْذُوفٌ، قَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ لِيَلْفِظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ لِيُطْلِعَ بِهِ صَاحِبَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ الْقِيمَةِ فِيهَا لِيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِخْوَانًا لَا يَغْبِنُونَ أَخَاهُمُ الْمُسْلِمَ، وَيَنْظُرُونَ لَهُ أَكْثَرَ مَا يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمُ اهـ.
زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ: ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ بَيْعِكَ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: جَعْلُهُ لَهُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُبَايَعَتِهِ كَانَتْ فِي الرَّقِيقِ لِيَتَبَصَّرَ وَيَثْبُتَ عَيْبُهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ.
(فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ) أَيْ مَعْنَاهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ النُّطْقِ.
فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ، قَالَ عِيَاضٌ: بِالتَّحْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ يُخْرِجُ اللَّامَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهَا، وَلِبَعْضِهِمْ: لَا خِنَابَةَ بِالنُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ: لَا خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اهـ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا بَاعَ لَا خِذَابَةَ لَا خِذَابَةَ.
وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ» ، فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً فَكَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، فَكَانَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ غُبِنْتَ فِيهِ رَجَعَ بِهِ فَيَشْهَدُ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ لَهُ دَرَاهِمَهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عَقْلِهِ ضَعْفٌ وَكَانَ يُبَايِعُ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: احْجُرْ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ فَنَهَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَصْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ وَحْدَهُ، جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، اشْتَرَطَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ مَعَ ضَعْفِ عَقْلِهِ وَلِسَانِهِ، وَقِيلَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثًا مَعَ قَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ فَيَكُونَ عَامًّا كَسَائِرِ مُشْتَرِطِي الْخِيَارِ اهـ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ وَالْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَحَدُّوهُ بِالثُّلُثِ لَا أَقَلَّ، لِأَنَّهُ غَبْنٌ يَسِيرٌ انْتَصَبَ لَهُ التُّجَّارُ فَهُوَ كَالْمَدْخُولِ عَلَيْهِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالُوا: لَا رَدَّ بِالْغَبْنِ لَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ وَتَجَاذَبَ الطَّرِيقَانِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [البقرة: ١٨٨] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ ١٨٨) فَقَالَ: الْأَقَلُّ الْغَبْنُ الْمُخَالِفُ لِلْعَادَةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: قَدِ اسْتَثْنَى مِنْهُ التِّجَارَةَ عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا عَنْ تَرَاضٍ، وَكَذَلِكَ تَجَاذَبُوا فَهْمَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ وَأَحْمَدُ: فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَحِكَايَةُ حَالٍ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْخِيَارَ إِلَّا بِشَرْطٍ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ إِذْ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ لَا