نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ". وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا» ". لِأَنَّ النَّخَعِيَّ قَالَ: مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا الْيَمِينُ، أَيْ يَحْلِفُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ، وَالْيَمِينُ قَدْ تُسَمَّى شَهَادَةً، قَالَ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ ٦) . اهـ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ أَصَحُّهُمَا حَمْلُهُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ شَاهَدٌ فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وُجُوبًا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ. وَالثَّانِي: حَمْلُهُ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ فِي غَيْرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ، فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي وَإِعْلَامُهُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ. وَحَكَى ثَالِثٌ أَنَّهُ مَجَازٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا لَا قَبْلَهُ كَمَا يُقَالُ: الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ، أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السُّؤَالِ بِلَا تَوَقُّفٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُنَاقَضَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي ذَمِّ مَنْ يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ". لِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ مَعَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ عَالِمٍ بِهَا فَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَوْ عَلَى مَنْ يَنْتَصِبُ شَاهِدًا وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لِقَوْمٍ بِالْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. اهـ. وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الذَّمَّ وَرَدَ فِي الشَّهَادَةِ بِدُونِ اسْتِشْهَادٍ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمَغِيبِ مَذْمُومَةٌ هَبْهَا بِاسْتِشْهَادٍ أَوْ دُونِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute