للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

افْتَعَلَ مِنَ الْقَطْعِ (حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ (بِيَمِينِهِ) بِحَلِفِهِ الْكَاذِبِ (حَرَّمَ) مَنَعَ (اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ) إِنِ اسْتَحَلَّ أَوْ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ، أَوْ هُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُهُ كَمَا مَرَّ (قَالُوا: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ غُصْنًا مَقْطُوعًا (مِنْ أَرَاكٍ) شَجَرٍ يُسْتَاكُ بِقُضْبَانِهِ، الْوَاحِدَةُ أَرَاكَةٌ، وَيُقَالُ هِيَ شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ نَاعِمَةٌ كَثِيرَةُ الْوَرَقِ وَالْأَغْصَانِ وَلَهَا ثَمَرٌ فِي عَنَاقِيدَ يُسَمَّى الْبَرِيرُ، بِمُوَحَّدَةٍ، وِزَانَ أَمِيرٍ، يَمْلَأُ الْعُنْقُودُ الْكَفَّ (وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا) وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ كَانَ سِوَاكًا (مِنْ أَرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) زِيَادَةً فِي التَّنْفِيرِ لِئَلَّا يُتَهَاوَنَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحَقِّ وَكَثِيرِهِ فِي التَّحْرِيمِ، أَمَّا فِي الْإِثْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مَنِ اقْتَطَعَ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَنِ اقْتَطَعَ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ، وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَنْعِ وَتَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَتَهْوِيلِهِ، بِدَلِيلِ تَأْكِيدِ تَحْرِيمِ الْجَنَّةِ وَإِيجَابِ النَّارِ، وَأَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ، وَالْحَالُ يَقْتَضِي هَذَا التَّأْكِيدَ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الِاعْتِدَاءِ الْغَايَةَ حَيْثُ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ سَبِيلٌ، وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَةٍ وَاجِبَةِ الرِّعَايَةِ وَهِيَ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَوْلُهُ " مُسْلِمٍ " قَيْدٌ فَلَوِ اقْتَطَعَ حَقَّ كَافِرٍ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعِيدَ، أَوْ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ وَرَدَ لِبَيَانِ أَنَّ رِعَايَةَ حَقِّ الْمُسْلِمِ أَشَدُّ لِأَنَّ حُرْمَةَ حَقِّ الْمُسْلِمِ أَقْوَى؟ وَقِيلَ إِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْكَافِرِ أَوْجَبُ رِعَايَةً، فَإِنَّ إِرْضَاءَ الْمُسْلِمِ بِإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرْضِيَ اللَّهُ خَصْمَهُ فَيَعْفُوَ عَنْ ظَالِمِهِ، وَأَمَّا إِرْضَاءُ الْكَافِرِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ فَيَكُونُ الْأَمْرُ صَعْبًا، فَإِذَا كَانَ حَقُّ مَنْ يُتَصَوَّرُ الْخَلَاصُ مِنْ ظُلْمِهِ وَاجِبَ الرِّعَايَةِ فَحَقُّ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ أَوْلَى.

وَقَالَ عِيَاضٌ: الْحَدِيثُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَالْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُمَا سَوَاءٌ فِي حُرْمَةِ الْقَطْعِ. فَأَمَّا فِي الْعُقُوبَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّ حَقَّ الْكَافِرِ أَخَفُّ، قَالَ الْآبِيُّ: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ، يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ، وَوَجْهُهُ بِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ دَرَجَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ - وَهِيَ الْيَمِينُ الصَّبْرُ الَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ مُسْلِمٍ - مِنَ الْكَبَائِرِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلَا كَفَارَّةَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا اقْتَطَعَهُ مِنَ الْمَالِ ثُمَّ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرَهُ، عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَعْمَرٌ وَطَائِفَةٌ: يُكَفِّرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِمَّا عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " كُنَّا نَعُدُّ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ: أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ أَخِيهِ كَاذِبًا ". . اهـ.

وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>