سَفَرٍ كَمَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلِ، قِيلَ: إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَكَانَ عَالِمًا بِأَوَّلِهِ إِذْ لَا بُدَّ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ وَحْدَهُ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ حِينَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ إِلَى أَيِّ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ؟ (قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى أَرَادَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ، وَلَمْ يَخَفِ اخْتِرَامَ الْمَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَبَّأَهُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ حَتَّى يُكْمِلَ الدِّينَ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَالْمُرَادُ: سَكَتَ عَنْ جَوَابِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَقَالَ: صَلِّهَا مَعِيَ الْيَوْمَ وَغَدًا.
(حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ) وَكَانَ ذَلِكَ بِقَاعِ نَمِرَةَ بِالْجُحْفَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ زَيْدٍ.
(ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ) أَيِ: انْكَشَفَ وَأَضَاءَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو: ثُمَّ صَلَّاهَا مِنَ الْغَدِ فَأَسْفَرَ، وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ: فَصَّلَاهَا أَمَامَ الشَّمْسِ؛ أَيْ: قُدَّامَهَا، بِحَيْثُ طَلَعَتْ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْهَا، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ صَلَّاهَا يَوْمًا، وَفِي رِوَايَةِ زَيْدٍ: حَتَّى إِذَا كَانَ بِذِي طُوًى أَخَّرَهَا، قَالَ السُّيُوطِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةً وَاحِدَةً وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ، انْتَهَى.
(ثُمَّ قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟) فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ.
(قَالَ: هَا أَنَذَا) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ: تُفْصَلُ " هَا " التَّنْبِيهِ مِنَ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُجَرَّدِ بِأَنَا وَأَخَوَاتِهَا كَثِيرًا كَقَوْلِكَ: هَا نَحْنُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ} [آل عمران: ١١٩] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ١١٩) وَقَوْلِ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ هَا أَنَذَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ) يَعْنِي هَذَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَقْتٌ، وَهَذَا مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] (سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ ٧) فَمِنْ مَفْهُومِهِ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ قِنْطَارٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
وَفِي رِوَايَةِ زَيْدٍ: " الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ " وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو: " «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ أَمْسِ وَالْيَوْمِ» " وَإِنَّمَا أَخْرَجُوا بِهِ حَتَّى صَلَّى مَعَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ لِأَنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ، وَفِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ السُّؤَالِ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ يَجِبُ فِيهِ فِعْلُ ذَلِكَ، أَمَّا تَأْخِيرُهُ عَنْ تَكْلِيفِ الْفِعْلِ وَالْعَمَلِ حَتَّى يَنْقَضِيَ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
وَفِي ذَا الْحَدِيثِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ وَقْتِ الصُّبْحِ خَاصَّةً، وَوَرَدَ السُّؤَالُ عَنْ كُلِّ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، فَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: " «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute