وَأَنَّا رَوَيْنَا عَنْهُ ذَلِكَ وَخَالَفْنَاهُ إِلَى قَوْلِ مَرْوَانَ، فَمَا مَنَعَ زِيدًا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَقٌّ أَنْ يَقُولَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ مَجْلِسُ الْحُكْمِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا: أَتُحِلُّ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، قَالَ: فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا، فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ. فَإِذَا لَمْ يُنْكِرْ مَرْوَانُ عَلَى زَيْدٍ هَذَا فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ، لَقَدْ كَانَ زَيْدٌ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَرْوَانَ وَأَرْفَعِهِمْ مَنْزِلَةً، وَلَكِنْ عَلِمَ زَيْدٌ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ مَرْوَانُ حَقٌّ، وَكَرِهَ أَنْ تَصِيرَ يَمِينُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قَالَ: وَقَدْ رَوَى الَّذِينَ خَالَفُونَا حَدِيثًا يُثْبِتُونَهُ عِنْدَهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ، وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ جَلَبَ قَوْمًا مِنَ الْيَمَنِ فَأَدْخَلَهُمُ الْحِجْرَ فَأَحْلَفَهُمْ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَنْ عُمَرَ فَكَيْفَ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَحْنُ لَا نَجْلِبُ أَحَدًا مِنْ بَلَدِهِ، وَلَوْ لَمْ نَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ وَبِمَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ زَيْدٍ لَكَانَتِ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ لَازِمَةً، فَكَيْفَ وَالْحُجَّةُ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ؟ نَقَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: وَجَدْتُ لِمَرْوَانَ سَلَفًا، فَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ غَصَبَ لَهُ بَعِيرًا، فَخَاصَمَهُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ حَيْثُ شَاءَ، فَأَبَى عَلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ يَحْلِفَ إِلَّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَغَرِمَ مِثْلَ بَعِيرِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُحَلَّفَ) بِالتَّثْقِيلِ (أَحَدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْلِفُ فِي أَقَلِّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجُمْهُورَ اتَّفَقُوا عَلَى التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ فِي الدِّمَاءِ وَالْمَالِ الْكَثِيرِ لَا فِي الْقَلِيلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute