أَبُو عُمَرَ: أَرْسَلَهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ إِلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى، فَوَصَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَغْلَقُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ (الرَّهْنُ) الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ الْقَافِ عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ لَيْسَ يَغْلَقُ، أَيْ لَا يَذْهَبُ وَيَتْلَفُ بَاطِلًا، وَقَالَ النُّحَاةُ: لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُخَلِّصٌ، وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَفَارَقْتُكِ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا.
وَقَالَ قُعْنُبُ بْنُ حَمْزَةَ الْغَطَفَانِيُّ:
بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى دُونَهَا عَدَنٌ ... وَغَلَقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قَلْبِكَ الرَّهْنُ.
قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: لَا يَجُوزُ لُغَةً غَلِقَ الرَّهْنُ: إِذَا ضَاعَ، إِنَّمَا يُقَالُ: غَلِقَ: إِذَا اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ فَذَهَبَ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبْطَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» .
(قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمُرَادِ نَبِيِّهِ (أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ) زِيَادَةٌ (عَمَّا رُهِنَ بِهِ، فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إِلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ) أَخَذْتُ رَهْنِي (وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ بِمَا رُهِنَ فِيهِ، قَالَ: فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَحِلُّ. وَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بِالَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ) أَيِ الرَّهْنُ (لَهُ) أَوْ يُبَاعُ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ (وَأُرَى هَذَا الشَّرْطَ مُنْفَسِخًا) لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَبِنَحْوِهِ فَسَّرَهُ طَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالزَّهْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ هَذَا وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى الَّذِي وَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ ثِقَةٌ، لَكِنْ أَخْشَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ رَاوِيَهُ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَعْنٍ أَخْطَأَ فِي وَصْلِهِ، لَكِنْ تَابَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْأَصَحُّ إِرْسَالُهُ، وَإِنْ وُصِلَ مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ فَكُلُّهَا مُعَلَّلَةٌ، وَزَادَ فِيهِ بَعْضُ: الرُّوَاةِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ. اهـ، كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مُلَخَّصًا.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُنَضَّدِ أَنَّ لَا نَافِيَةٌ أَوْ نَاهِيَةٌ، فَعَلَيْهِ تُكْسَرُ الْقَافُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ أَفْصَحَ أَبُو عُمَرَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِالرَّفْعِ خَبَرٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute