للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ) بِأَنْ أَشْبَهَ مَا قَالَ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولُ: أَنَا إِنَّمَا ادَّعَيْتُ الْجَهْلَ بِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ فَأَنَا أَصِفُهُ بِصِفَةٍ لَا أَشُكُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الرَّهْنِ. وَهِيَ دُونَ صِفَةِ الرَّاهِنِ بِكَثِيرٍ، فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يُسْتَنْكَرُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(وَذَلِكَ) كُلُّهُ (إِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ) فَإِنْ كَانَ بِيَدَيْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِذَا اخْتُلِفَ فِي مَبْلَغِ الدَّيْنِ فَلَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُدَّعٍ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: وَالْحُجَّةُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٨٣) فَجَعَلَ الرَّهْنَ بَدَلًا مِنَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَخَذَهُ وَثِيقَةً بِحَقِّهِ، فَكَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ مَبْلَغِ الدَّيْنِ، وَمَا جَاوَزَ قِيمَتَهُ فَلَا وَثِيقَةَ فِيهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الرَّاهِنِ. قَالَ: وَوَافَقَ مَالِكًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ إِلَّا لِبَيِّنَةٍ، وَبَيْنَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ. الْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ مَضْمُونٌ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِقِيمَةِ الدَّيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ: الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ لَا يُضْمَنُ إِلَّا بِمَا تُضْمَنُ بِهِ الْوَدَائِعُ مِنَ التَّعَدِّي وَالتَّضْيِيعِ، سَوَاءٌ كَانَ حُلِيًّا أَوْ حَيَوَانًا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ ثَابِتٌ عَلَى حَالِهِ لِلْحَدِيثِ: " لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ". قَالُوا: " لَهُ غُنْمُهُ " أَيْ غَلَّتُهُ وَخَرَاجُهُ، " وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " أَيْ فِكَاكُهُ وَمِنْهُ مُصِيبَتُهُ. وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَبْسِهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَنْ تَعَدَّى. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: غُنْمُهُ مَا فَضَلَ مِنَ الدَّيْنِ وَغُرْمُهُ مَا نَقَصَ مِنْهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: غُرْمُهُ نَفَقَتُهُ لَا فِكَاكُهُ وَمُصِيبَتُهُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الْخَرَاجُ وَالْغَلَّةُ وَهُوَ غُنْمُهُ كَانَ الْغُرْمُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنَ النَّفَقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>