للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ. وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ إِذْنَهُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْيِيهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ، وَصَارَ الْخِلَافُ هَلِ الْحَدِيثُ حُكْمٌ أَوْ فَتْوَى؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْإِذْنِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَالَ: لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَهَذَا نَظِيرُ حَدِيثِ: " «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: " «أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ". جَاءَنَا بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالصَّلَاةِ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْجَارُودِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» ".

(وَلَيْسَ لِعِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالتَّنْوِينِ (ظَالِمٍ) صِفَةٌ لِلْعِرْقِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ، كَأَنَّ الْعِرْقَ بِغَرْسِهِ صَارَ ظَالِمًا حَتَّى كَانَ الْفِعْلُ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فَجَعَلَ الْعِرْقَ نَفْسَهُ ظَالِمًا وَالْحَقُّ لِصَاحِبِهِ، أَوْ يَكُونُ الظَّالِمُ مِنْ صِفَةِ الْعِرْقِ اهـ، أَيْ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ. وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ فَالظَّالِمُ صَاحِبُ الْعِرْقِ وَهُوَ الْغَارِسُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَيْسَ لَهُ (حَقٌّ) فِي الْإِبْقَاءِ فِيهَا. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا احْتُفِرَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ حُفِرَ (أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ) وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالتَّنْوِينِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فَقَالَ: وَاخْتَارَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تَنْوِينَ عِرْقٍ وَذَكَرَ نَصَّهُ هَذَا، وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ بِنَحْوِهِ، وَبِالتَّنْوِينِ جَزَمَ الْأَزْهَرِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا، وَبَالَغَ الْخَطَّابِيُّ فَغَلَّطَ مَنْ رَوَاهُ بِالْإِضَافَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَقَدْ ثَبَتَتْ وَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ فَلَا يَكُونُ غَلَطًا فَالْحَدِيثُ يُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَصْلُ الْعِرْقِ الظَّالِمِ فِي الْغَرْسِ يَغْرِسُهُ فِي الْأَرْضِ غَيْرُ رَبِّهَا لِيَسْتَوْجِبَهَا بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ بِنَاءٍ وَاسْتِنْبَاطِ مَاءٍ أَوِ اسْتِخْرَاجِ مَعْدِنٍ، سُمِّيَتْ عِرْقًا لِشَبَهِهَا فِي الْإِحْيَاءِ بِعِرْقِ الْغَرْسِ. وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ عُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ: الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ: الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَعِرْقَانِ بَاطِنَانِ: الْمِيَاهُ وَالْمَعَادِنُ، فَلَيْسَ لِلظَّالِمِ فِي ذَلِكَ حَقٌّ فِي بَقَاءٍ أَوِ انْتِفَاعٍ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ظُلْمًا فَلِرَبِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بَقِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى حَالِهِ بِلَا عِوَضٍ. اهـ. وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ". وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّ شَاهِدَهُ حَدِيثُ الْبَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>