يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ أَوْ فُرْنٍ لِخُبْزٍ أَوْ سَبْكِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَمَلِ حَدِيدٍ أَوْ رَحًى فَلَهُمْ مَنْعُهُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ اهـ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ حَذْفًا، أَيْ لَا لُحُوقَ أَوْ إِلْحَاقَ، أَوْ لَا فَعَلَ ضَرَرًا وَضِرَارًا بِأَحَدٍ، أَيْ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إِلَّا لِمُوجِبٍ خَاصٍّ، فَقَيَّدَ النَّفْيَ بِالشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْقَدَرِ لَا يُنْتَفَى، وَخَصَّ مِنْهُ مَا وَرَدَ لُحُوقُهُ بِأَهْلِهِ كَحَدٍّ وَعُقُوبَةِ جَانٍ وَذَبْحِ مَأْكُولٍ، فَإِنَّهَا ضَرَرٌ وَلَاحِقٌ بِأَهْلِهِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ إِجْمَاعًا، وَفِيهِ تَحْرِيمُ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، ثُمَّ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ. وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْصُولًا بِزِيَادَةِ: " «وَمَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَقْوَى مِنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَالَ الْعَلَائِيُّ: لَهُ شَوَاهِدُ وَطُرُقٌ يَرْتَقِي بِمَجْمُوعِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفُتُوحِ الطَّائِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ لَهُ أَنَّ الْفِقْهَ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ هَذَا أَحَدُهَا، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ حَدِيثُ: " «مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ أَوْ مَاكَرَهُ» ". أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا وَضَعَّفَ إِسْنَادَهُ، وَقَالَ: لَكِنَّهُ مِمَّا يَخَافُ عُقُوبَةَ مَا جَاءَ فِيهِ. قَالَ: وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ أَخِيهِ» ". وَجَابِرٌ ضَعِيفٌ اهـ، أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَتِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَلِلرَّجُلِ. . . إِلَخْ، فَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا تُقْبَلُ مِنَ الثِّقَةِ إِنْ لَمْ يُخَالِفْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ، ثُمَّ الْإِنْكَارُ إِنَّمَا هُوَ وُرُودُهَا فِي حَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ; إِذْ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ التَّالِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute