يَنْقَرِضَ الْعَقِبُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا تَرْجِعُ أَبَدًا. ثَانِيهَا: أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِذَا مِتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ، فَهَذِهِ عَارِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إِلَى الْمُعْطِي، وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا تَرْجِعُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُلْغًى وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا وَيُطْلِقُ، فَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ حُكْمَهَا كَالْأُولَى ثُمَّ فِي رُجُوعِهَا لِلْمُعَمِّرِ الْخِلَافُ فَمَالِكٌ تَرْجِعُ وَغَيْرُهُ لَا تَرْجِعُ. وَأَمَّا الرُّقْبَى فَمَنَعَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ وَأَجَازَهَا الْأَكْثَرُ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، قُلْتُ: وَمَا الرُّقْبَى؟ قَالَ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَهُوَ جَائِزٌ» ". وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى، وَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ» ". رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ فِي سَمَاعِ حَبِيبٍ لَهُ مِنَ ابْنِ عُمَرَ خِلَافٌ، فَأَثْبَتَهُ النَّسَائِيُّ فِي طَرِيقٍ وَنَفَاهُ فِي أُخْرَى، وَجَمَعَ بَيْنَ هَذَا النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِأَنَّ النَّهْيَ إِرْشَادِيٌّ لِإِمْسَاكِ الْمَالِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ السَّابِقِ، فَالرُّقْبَى بِهَذَا التَّفْسِيرِ هِيَ بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَهَذِهِ لَمْ يَمْنَعْهَا مَالِكٌ بَلْ تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَ الرُّقْبَى بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لِشَخْصَيْنِ دَارَانِ لِكُلٍّ دَارٌ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا لِي وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهُمَا لَكَ، مِنَ الْمُرَاقَبَةِ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْوَصَايَا تِلْوَ الْفَرَائِضِ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا بِنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute