الْغَدِ وَلَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ وَقْتَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ لَهُ مَعْنًى لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ اغْتِسَالُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ فَلَا أَقَلَّ مِنَ الِاغْتِسَالِ مَرَّةً فِي كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ دِفْءِ النَّهَارِ وَذَلِكَ لِلتَّنْظِيفِ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَقَوْلُهُ لَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا لِأَحَدٍ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ نَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ يَرَى أَنَّهُ حُرِّفَ النَّقْلُ عَنْهُمْ كَمَا حُرِّفَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ لَكِنْ يَرُدُّ دَعْوَى التَّحْرِيفِ وُرُودُ مِثْلِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: تَغْتَسِلُ عِنْدَ الظُّهْرِ حَكَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِلَفْظِ: تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ، انْتَهَى.
(وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وُجُوبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ مَالِكٍ.
(فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هَكَذَا رِوَايَةُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِالْمُثَلَّثَةِ بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالْفَاءِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: اسْتَذْفَرَتْ بِثَوْبٍ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بَدَلَ الْمُثَلَّثَةِ فَقِيلَ إِنَّهُ مِثْلُ الِاسْتِثْفَارِ قُلِبَتِ الثَّاءُ ذَالًا وَهُوَ الثُّفْرُ وَالذَّفَرُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلْتَسْتَعْمِلْ طِيبًا تُزِيلُ بِهِ هَذَا الشَّيْءَ عَنْهَا، وَالذَّفَرُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ كُلُّ رَائِحَةٍ ذَكِيَّةٍ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتَنٍ، وَسُمِّيَ الثَّوْبُ طِيبًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي إِزَالَةِ الرَّائِحَةِ، وَإِنْ رُوِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا الذَّفْرَ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ، فَإِنْ قِيلَ: سُئِلَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ كَيْفِيَّةِ اغْتِسَالِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَأَجَابَ بِذِكْرِ وَقْتِهِ.
قُلْتُ: وَفِيهِ مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِهِ وَهَيْئَاتِهِ وَكَيْفِيَّةِ اغْتِسَالِهَا لَا تُخَالِفُ كَيْفِيَّةِ اغْتِسَالِ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي الْوَقْتِ، فَأَجَابَ بِذِكْرِ مَا خَالَفَتْ فِيهِ غَيْرَهَا، أَوْ أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ اسْتِبْعَادَ اغْتِسَالِهَا مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ مِنْهَا، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ جَرَيَانَهُ مِنْهَا لَا يَمْنَعُ مِنِ اغْتِسَالِهَا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ إِذَا قَوِيَ عَلَيْهَا الدَّمُ وَغَلَبَهَا اسْتَثْفَرَتْ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْوَلِيُّ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute