مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا لَا أَنَّهُ فِي تَفْسِيرٍ وَأَخْبَارٍ كَمَا كَانَ مِنَ الْحُكْمِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ بِهَذَا التَّقْدِيرِ، وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْمُوصِي مِنَ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّفْضِيلِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْفَرَائِضِ، وَقِيلَ بِحَدِيثِ: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ". وَقِيلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ دَلِيلُهُ، وَزَعَمَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَدْرِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي فِي عِلْمِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَهَا، وَشَدَّدَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً بَلْ مَخْصُوصَةً لِأَنَّ الْأَقْرَبِينَ أَعَمُّ مِنَ الْوَارِثِ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِجَمِيعِهِمْ فَخَصَّ مِنْهَا مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ لِآيَةِ الْفَرَائِضِ وَالْحَدِيثِ، وَبَقِيَ حَقُّ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى حَالِهِ.
- (مَالِكٌ: السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ". وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَقَدْ قَوَّى حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ بِالتَّحْدِيثِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ، وَجَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَعَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ جَابِرٍ كِلَاهُمَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: الصَّوَابُ إِرْسَالُهُ وَلَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ، لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا، بَلْ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى أَنَّ الْمَتْنَ مُتَوَاتِرٌ فَقَالَ: وَجَدْنَا أَهْلَ الْفُتْيَا وَمَنْ حَفِظْنَا عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ". وَيَأْثُرُونَهُ عَمَّنْ حَفِظُوهُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقَوْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَكَانَ نَقْلَ كَافَّةٍ عَنْ كَافَّةٍ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ نَقْلِ وَاحِدٍ، وَنَازَعَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ، لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُقْتَضَاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْمُوَطَّأِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا لِلْوَارِثِ عَدَمُ اللُّزُومِ ; لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَارِثِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ.
(إِلَّا أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ، وَإِنَّهُ إِنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَى أَخَذَ حَقَّهُ) لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْأَصْلِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوهُ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute