كَمَا مَرَّ (فَقَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ بِدُونِهَا (ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْإِشْكَالِ الْوَاقِعِ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ السَّابِقَةِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَعَلَّ هِشَامًا أَوْ عُرْوَةَ حِينَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ، رَأَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ لَهُمُ الْوَلَاءَ فَلَمْ يَقِفْ مِنْ حَفِظَهُ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ هِشَامًا ثِقَةٌ، حَافِظٌ، حَدِيثُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ، فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ بِمَا مَرَّ.
(فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) بِلَامِ الِاخْتِصَاصِ، أَيْ أَنَّ الْوَلَاءَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ، قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: ١] (سورة الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةَ: ١) أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِغَيْرِ مَنْ أَعْتَقَ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمُلْتَقِطِ اللَّقِيطِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ، وَلَا لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْوَلَاءُ فِي جَمِيعِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ وَارِثٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَيَرِثَهُ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ الْحُكْمَ لِلْمَذْكُورِ وَتَنْفِيهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِتَحْقِيقِ الْمُتَّصِلِ وَتَمْحِيقِ الْمُنْفَصِلِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: " إِنَّمَا " مُرَكَّبَةٌ مِنْ " إِنَّ " الَّتِي هِيَ حَرْفُ نَفْيٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحُرُوفِ عَلَى مَعَانِيهَا، ثُمَّ الضَّمِّ، وَلَمَّا اسْتَحَالَ رَدُّ النَّفْيِ إِلَى نَفْسِ الْمُثْبَتِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى إِثْبَاتِهِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَبِهِ عُرِفَ الْمُتَّصِلُ وَتَمْحِيقُ الْمُنْفَصِلِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute