ذَلِكَ (فَأَتَى الْمُكَاتَبُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأُمَوِيَّ (وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا مَرْوَانُ الْفُرَافِصَةَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ تَعَجَّلْ مِنْهُ مَا كَاتَبْتَهُ عَلَيْهِ (فَأَبَى، فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِذَلِكَ الْمَالِ أَنْ يُقْبَضَ مِنَ الْمُكَاتَبِ فَيُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ: اذْهَبْ فَقَدْ عَتَقْتَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفُرَافِصَةُ قَبَضَ الْمَالَ) وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ عُمَرُ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَتَيْتُهُ بِكِتَابَتِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا مِنِّي إِلَّا نُجُومًا، فَأَتَيْتُ عُمَرَبْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ، وَكَتَبَ إِلَى أَنَسٍ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنَ الرَّجُلِ، فَقَبِلَهَا ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ مُكَاتَبًا لِأَنَسٍ جَاءَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُ بِمُكَاتَبَتِي إِلَى أَنَسٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَقَالَ: أَنَسٌ يُرِيدُ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنَسًا أَنْ يَقْبَلَهَا أَحْسَبُهُ قَالَ: فَأَبَى، فَقَالَ: آخُذُهَا فَأَصُبُّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَقَبِلَهَا أَنَسٌ.
وَسَبَقَهُ أَيْضًا عُثْمَانُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَظُنُّ مَرْوَانَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَضَى بِهِ. رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قُلَابَةَ قَالَ: " كَاتَبَ عَبْدٌ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ أَوْ خَمْسَةٍ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى سَيِّدِهِ فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إِلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمًا رَجَاءَ أَنْ يَرِثَهُ، فَأَتَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَبَى فَقَالَ لِلْعَبْدِ: ائْتِنِي بِمَا عَلَيْكَ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَتَبَ لَهُ عِتْقًا، وَقَالَ لِلْمَوْلَى: ائْتِنِي كُلَّ سَنَةٍ فَخُذْ نَجْمًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ مَالَهُ وَكَتَبَ لَهُ عِتْقَهُ ".
(قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا دَفَعَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ قَبْلَ مَحِلِّهَا) أَيْ حُلُولِهَا (جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنْ يَضَعَ) يَحُطَّ (عَنِ الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ ; لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقٍّ وَلَا تَتِمُّ حُرْمَتُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ مِيرَاثُهُ وَلَا أَشْبَاهُ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ عَتَاقَتِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute