(بِمُرُوطِهِنَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مِرْطٍ - بِكَسْرِهَا - أَكْسِيَةٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ كَانَ يُؤْتَزَرُ بِهَا قَالَ:
تَسَاهَمَ ثَوْبَاهَا فَفِي الدِّرْعِ رَأْدَةٌ وَفِي الْمِرْطِ لَفَّاوَانِ رِدْفُهُمَا عَبْلُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ كَتَّانٍ عَنِ الْخَلِيلِ، وَيُقَالُ: هُوَ الْإِزَارُ، وَيُقَالُ دِرْعُ الْمَرْأَةِ.
وَفِي الْمُحْكَمِ: هُوَ الثَّوْبُ الْأَخْضَرُ.
وَفِي مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ: الْمُرُوطُ أَكْسِيَةٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، وَعَنِ الْخَلِيلِ: أَكْسِيَةٌ مُعَلَّمَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هِيَ الْإِزَارُ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لَا يَكُونُ الْمِرْطُ إِلَّا دِرْعًا وَهُوَ مِنْ خَزٍّ أَخْضَرَ، وَلَا يُسَمَّى الْمِرْطَ إِلَّا الْأَخْضَرَ، وَلَا يَلْبَسُهُ إِلَّا النِّسَاءُ.
زَادَ بَعْضُهُمْ: أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً وَسَدَاهَا مِنْ شَعْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كِسَاءُ صُوفٍ رَقِيقٌ خَفِيفٌ مُرَبَّعٌ كَانَ النِّسَاءُ يَأْتَزِرْنَ بِهِ وَيَتَلَفَّعْنَ.
(مَا يُعْرَفْنَ) أَهُنَّ نِسَاءٌ أَمْ رِجَالٌ؟ قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَعَبَّرَ بِنَفْيِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ لَا تُعْرَفُ أَعْيَانُهُنَّ وَإِنْ عُرِفْنَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ وَإِنْ كُنَّ مُكَشِّفَاتِ الْوُجُوهِ حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَحَذَفَ النَّوَوِيُّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ وَقَالَ: هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ فِي النَّهَارِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ عَيْنُهَا، فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَمَعَ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لَا يَتَأَتَّى هَذَا الِاعْتِرَاضُ.
وَفِي الْفَتْحِ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ بِالنَّهَارِ لَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ هَيْئَةً غَيْرَ هَيْئَةِ الْأُخْرَى فِي الْغَالِبِ وَلَوْ كَانَ بَدَنُهَا مُغَطًّى.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ سَافِرَاتٍ؛ إِذْ لَوْ كُنَّ مُتَنَقِّبَاتٍ لَمَنَعَ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا الْغَلَسُ.
قُلْتُ: وَفِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاشْتِبَاهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ.
وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ هَيْئَةً غَالِبًا فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ انْتَهَى.
(مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ (الْغَلَسِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ بَقَايَا ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يُخَالِطُهَا ظَلَامُ الْفَجْرِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ بَرْزَةَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» " لِأَنَّ هَذَا مَعَ التَّأَمُّلِ لَهُ أَوْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَذَاكَ فِي نِسَاءٍ مُغَطِّيَاتِ الرُّءُوسِ بَعِيدَاتٍ عَنِ الرِّجَالِ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَفِيهِ نَدْبُ الْمُبَادَرَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوَّلَ وَقْتِهَا.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» " فَقَدْ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ عَلَى تَحَقُّقِ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَآخَرُونَ عَلَى اللَّيَالِي الْمُقْمِرَةِ فَإِنَّ الصُّبْحَ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا فَأَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ، وَحَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الصَّلَاةِ مُسْفِرًا، وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْغَلَسِ، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ