عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي) يَوْمِ (جُمُعَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحِهَا لُغَةُ تَمِيمٍ وَإِسْكَانِهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ وَبِهَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ (مِنَ الْجُمَعِ) جَمْعُ جُمُعَةٍ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جُمُعَاتٍ مِثْلَ غُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا، وَأَمَّا الْجُمْعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَاسْمٌ لِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَوَّلُهَا السَّبْتُ وَأَوَّلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْأَحَدِ هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ.
(يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْشَرُ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ، فَالشَّبَابُ مَعْشَرٌ وَالشُّيُوخُ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءُ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْشَرٌ وَمَا أَشْبَهَهُ.
( «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا» ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً جَزَمَ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى وَابْنُ سُرَاقَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْعَالَمَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَسَا كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا اسْمًا يَخُصُّهُ وَخَصَّ كُلَّ يَوْمٍ بِصِنْفٍ مِنَ الْخَلْقِ أَوْجَدَهُ فِيهِ وَجَعَلَ يَوْمَ كَمَالِ الْخَلْقِ مَجْمَعًا وَعِيدًا لِلْمُؤْمِنِينَ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِعِبَادَتِهِ وَذِكْرِهِ وَالتَّفَرُّغِ لِشُكْرِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى خِدْمَتِهِ، وَذِكْرِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا يَكُونُ مِنَ الْمَعَادِ.
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْعِيدُ مَا يُعَاوِدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَخَصَّهُ الشَّرْعُ بِيَوْمَيِ الْأَضْحَى وَالْفِطَرِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ مَجْعُولًا فِي الشَّرْعِ لِلسُّرُورِ اسْتُعْمِلَ الْعِيدُ فِي كُلِّ يَوْمِ مَسَرَّةٍ أَيًّا مَا كَانَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ يَوْمَ عِيدٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ بَرَّ بِفِعْلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ: الْعُرْفُ لَا يَقْتَضِيهِ.
(فَاغْتَسِلُوا) اسْتِنَانًا مُؤَكَّدًا.
( «وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ» ) إِذْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يُعْرَفُ خُرُوجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الصَّلَاةِ بِرَائِحَةِ الطِّيبِ إِذَا مَشَى، وَأَوْجَبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَعَلَّهُ إِيجَابُ سُنَّةٍ وَأَدَبٍ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
(وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) أَيِ الْزَمُوهُ لِتَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ» ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» ، «وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَاكَ فِي اللَّيْلَةِ مِرَارًا» ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ وَصَلَهُ بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكِنْ عُورِضَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ» " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي فَكَيْفَ يَنْفِي دِرَايَتَهُ مَعَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ. . . إِلَخْ.
وَصَالِحُ بْنُ الْأَخْضَرِ أَبِي الْأَخْضَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا ضَعِيفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ مُرْسَلًا، قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَ صَالِحٌ حَفِظَ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرُهُ بَعْدَمَا نَسِيَهُ أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute