صَارَ لَيِّنًا مَعَ بَقَاءِ صَلَابَتِهِ بِعَدَمِ كَسْرِهِ (فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ) مِائَةَ جَلْدَةٍ (ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ) بِالْمَدِّ أَيْ حَانَ (لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ) الَّتِي حَرَّمَهَا (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ) كُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُسْتَقْبَحُ كَالزِّنَى وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَجَمْعُهَا قَاذُورَاتٌ، سُمِّيَتْ قَاذُورَةً ; لِأَنَّ حَقَّهَا أَنْ تُقْذَرَ فَوُصِفَتْ بِمَا يُوصَفُ بِهِ صَاحِبُهَا (شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ) الَّذِي أَسْبَلَهُ عَلَيْهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَلَا يُظْهِرْهُ لَنَا (فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي) بِالْيَاءِ لِلْإِشْبَاعِ كَقِرَاءَةِ مَنْ يَتَّقِي، وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِهَا أَيْ يُظْهِرُ (لَنَا) مَعَاشِرَ الْحُكَّامِ (صَفْحَتَهُ) هِيَ لُغَةً: جَانِبُهُ وَوَجْهُهُ وَنَاحِيَتُهُ، وَالْمُرَادُ مَنْ يُظْهِرُ لَنَا مَا سَتَرَهُ أَفْضَلُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيزٍ (نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ) أَيِ الْحَدَّ الَّذِي حَدَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالسُّنَّةُ مِنَ الْكِتَابِ، فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ إِذَا فَعَلَ مَا يُوجِبُ حَدًّا السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ وَالتَّوْبَةُ، فَإِنْ خَالَفَ وَاعْتَرَفَ ثُمَّ الْحَاكِمُ أَقَامَهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ جَلْدِ هَذَا الرَّجُلِ قَالَهُ أَيْضًا بَعْدَ رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيِّ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُهُ مَوْصُولًا بِوَجْهٍ، قَالَ الْحَافِظُ: مُرَادُهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَمَّا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ، قَالَ: صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَالَ: أَوْقَعَهُ فِيهِ عَدَمُ إِلْمَامِهِ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا كُلُّ عَالَمٍ انْتَهَى.
لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمْ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute