للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) مُرْسَلًا عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَصَلَهُ مُطَرِّفٌ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُونَ بِهِ عَنْهُ هَكَذَا، وَطَائِفَةٌ يُحَدِّثُونَ بِهِ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٌ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَالِكٌ أَرْسَلَ عَنْهُ حَدِيثَ سَعِيدٍ هَذَا وَوَصَلَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ وَاقْتَصَرَ فِيهِمَا عَلَى قِصَّةِ الْجَنِينِ دُونَ قَتْلِ الْمَرْأَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ، وَلِمَا شَاءَ اللَّهُ مِمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ انْتَهَى.

وَمُرَادُهُ أَرْسَلَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَقَدَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى) حَكَمَ (فِي الْجَنِينِ) حَالَ كَوْنِهِ (يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى وَلَوْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ عِنْدَ مَالِكٍ (بِغُرَّةٍ) بِالتَّنْوِينِ (عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ) تَقْسِيمٌ لَا شَكَّ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ كَمَا يَأْتِي (فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ بِالْغُرَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غُرَّتْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ أَيِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ وَوَلِيُّهَا هُوَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّ الْقَائِلَ زَوْجُهَا حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ عِمْرَانُ بْنُ عُوَيْمِرٍ أَخُو مُلَيْكَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقَائِلِينَ، فَإِسْنَادُ هَذِهِ صَحِيحٌ أَيْضًا انْتَهَى.

وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الْغُرَّةَ عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا ; لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ اللَّفْظِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْجَانِي، إِذْ لَوْ قُضِيَ بِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لَقِيلَ فَقَالَ الَّذِينَ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ جَانِبٍ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ كَالْإِجْمَاعِ أَوِ السُّنَّةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ ١٦٤) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي رِمْثَةَ فِي ابْنِهِ: " «إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ» " وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي تَعْيِينِ الْقَائِلِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِهِ ; لِأَنَّ كُلًّا تَكَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْجَانِيَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْجَانِيَةَ هِيَ الَّتِي غَرِمَتِ الْغُرَّةَ، وَلَا يُخَالِفُهُ رِوَايَةُ غُرَّتْ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُشَدَّدَةٍ وَتَاءٍ سَاكِنَةٍ بِلَا مِيمٍ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِغُرْمِ الْغُرَّةِ ( «كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ» )

<<  <  ج: ص:  >  >>