الْعُلَمَاءِ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ بِهِ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعِرَاقِيِّينَ: الرِّكَازُ هُوَ الْمَعْدِنُ فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ فِيهِمَا الْخُمُسُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَكَرَ لِهَذَا حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ ذَكَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَجَمَعَهَا الرَّاوِي وَسَاقَهَا مَسَاقًا وَاحِدًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالْأَصْلِ فَلَا يُعْبَأُ بِهِ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُطْلَقُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ قَالَ: وَقِيلَ الرِّكَازُ قِطَعُ الْفِضَّةِ تُخْرَجُ مِنَ الْمَعْدِنِ، وَقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ أَيْضًا.
(لَطِيفَةٌ) مِمَّا نُعِتَ بِهِ الْمُحِبُّ أَنَّهُ كَالدَّابَّةِ جَرْحَهُ جُبَارٌ؛ حُكِيَ أَنَّ خُطَّافًا رَاوَدَ خُطَّافَةً فِي قُبَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَمِعَهُ يَقُولُ: بَلَغَ مِنِّي حُبُّكِ لَوْ قُلْتِ لِيَ اهْدِمِ الْقُبَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ فَعَلْتُ، فَاسْتَدْعَاهُ سُلَيْمَانُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَعْجَلْ إِنْ لِلْمَحَبَّةِ لِسَانًا لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا الْمُحِبُّونَ، وَالْعَاشِقُونَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلِسَانِ الْمَحَبَّةِ لَا بِلِسَانِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، فَضَحِكَ سُلَيْمَانُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَقَالَ: هَذَا جَرْحٌ جُبَارٌ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ.
(قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا أَنَّهُ الْهَدْرُ الَّذِي لَا أَرْشَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَقَالَ مَالِكٌ) مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ بِهِ (الْقَائِدُ) لِلدَّابَّةِ (وَالسَّائِقُ) لَهَا (وَالرَّاكِبُ) عَلَيْهَا (كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتِ الدَّابَّةُ) لِنِسْبَةِ سَيْرِهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ تَسْتَقِلَّ بِالْفِعْلِ حَتَّى يَكُونَ جُبَارًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ (إِلَّا أَنْ تَرْمَحَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (الدَّابَّةُ) أَيْ تَضْرِبَ بِرِجْلِهَا (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ) كَنَخْسٍ تَرْمَحُ لَهُ فَلَا ضَمَانَ.
(وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ بِالْعَقْلِ) أَيِ الدِّيَةِ.
(فَالْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ أَحْرَى) أَوْلَى (أَنْ يَغْرَمَ مِنَ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ) لِأَنَّهُ إِذَا أَجْرَاهَا لَا يَسْتَطِيعُ غَالِبًا مَنْعَهَا بِخِلَافِهِمْ.
(وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute