للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشِّعْرِ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

أَطَوِّفُ مَا أَطُوفُ ثُمَّ آوِي ... إِلَى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لُكَاعُ

قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ لَهَا إِنْكَارًا لِمَا أَرَادَتْهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَتَثْبِيطًا لَهَا وَإِدْلَالًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَوْلَاتُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يَا قَلِيلَةَ الْعِلْمِ وَصَغِيرَةَ الْحَظِّ مِنْهُ؛ لِمَا فَاتَهَا مِنْ مَعْرِفَةِ حَقِّ الْمَدِينَةِ.

(فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا) بِالْمَدِّ (وَشِدَّتِهَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَعْنِي الْمَدِينَةَ، وَالشَّدَّةُ الْجُوعُ، وَاللَّأْوَاءُ تَعَذُّرُ الْكَسْبِ وَسُوءُ الْحَالِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اللَّأْوَاءُ الْجُوعُ وَشَدَّةُ الْمَكْسَبِ، وَضَمِيرُ شِدَّتِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى اللَّأْوَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: الْحَدِيثُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْحَثِّ عَلَى سُكْنَاهَا فَمَنْ لَزِمَ سُكْنَاهَا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَلْحَقْهُ لَأْوَاءٌ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْغَالِبِ وَالْمَظِنَّةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَتَعْلِيلِ الْقَصْرِ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ، فَإِنَّ الْمَلِكَ يَقْصُرُ وَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ لِوُجُودِ السَّفَرِ (أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ عِيَاضٌ: سُئِلْتُ قَدِيمًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَ خُصَّ سَاكِنُ الْمَدِينَةِ بِالشَّفَاعَةِ هُنَا مَعَ عُمُومِ شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادِّخَارِهِ إِيَّاهَا؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابٍ شَافٍ مُقْنِعٍ فِي أَوْرَاقٍ اعْتَرَفَ بِصَوَابِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ، وَأَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا لُمَعًا تَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا " أَوْ " هُنَا لِلشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلشَّكِّ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَابِرٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا اللَّفْظِ، وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ أَوْ رُوَاتِهِمْ عَلَى الشَّكِّ وَيُطَابِقُهُمْ فِيهِ عَلَى صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ هَكَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هَكَذَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ " أَوْ " لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونُ شَهِيدًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَشَفِيعًا لِبَاقِيهِمْ، إِمَّا شَفِيعًا لِلْعَاصِينَ وَشَهِيدًا لِلْمُطِيعِينَ، وَإِمَّا شَهِيدًا لِمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ وَشَفِيعًا لِمَنْ مَاتَ بَعْدَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ رَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ لِلْمُذْنِبِينَ أَوْ لِلْعَاصِينَ فِي الْقِيَامَةِ، وَعَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: " أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ " فَيَكُونُ لِتَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا كُلِّهِ مَزِيَّةٌ وَزِيَادَةُ مَنْزِلَةٍ وَحُظْوَةٌ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَفِيعًا وَشَهِيدًا انْتَهَى.

وَبِالْوَاوِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَإِذَا جَعَلْنَا " أَوْ " لِلشَّكِّ كَمَا قَالَ الْمَشَايِخُ فَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ شَهِيدًا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُجَرَّدَةِ لِغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ شَفِيعًا فَاخْتِصَاصُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ فِي إِخْرَاجِ أُمَّتِهِ مِنَ النَّارِ وَمُعَافَاةِ بَعْضِهِمْ بِشَفَاعَتِهِ فِي الْقِيَامَةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ أَوْ تَخْفِيفِ السَّيِّئَاتِ أَوْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>