للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِمَّنِ اسْتَوْطَنَهَا (رَغْبَةً عَنْهَا) أَيْ عَنْ ثَوَابِ السَّاكِنِ فِيهَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: أَيْ كَرَاهَةً لَهَا مِنْ رَغِبْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا كَرِهْتَهُ (إِلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ) بِمَوْلُودٍ يُولَدُ فِيهَا أَوْ قُدُومِ خَيْرٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهَا، أَمَّا مَنْ كَانَ وَطَنُهُ غَيْرَهَا فَقَدَّمَهَا لِلْقُرْبَةِ وَرَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ أَوْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِهَا فَسَافَرَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِضَرُورَةِ شِدَّةِ زَمَانٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَخْرُجُ رَغْبَةً عَنْهَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَعْرَابِيِّ الْقَائِلِ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ جِوَارِهِ أَبْدَلَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ تُعَوَّضِ الْمَدِينَةُ خَيْرًا مِنْهُمُ انْتَهَى.

يَعْنِي كَأَبِي مُوسَى وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَبِلَالٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَنُوا غَيْرَهَا وَمَاتُوا خَارِجًا عَنْهَا وَلَمْ تُعَوَّضِ الْمَدِينَةُ مِثْلَهُمْ فَضْلًا عَنْ خَيْرٍ مِنْهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْصِيصِ بِزَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْأُبِّيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَاصًّا بِالزَّمَنِ النَّبَوِيِّ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَخْرُجْ رَغْبَةً عَنْهَا بَلْ إِنَّمَا خَرَجَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى.

لَا يُقَالُ لَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ خُرُوجَهُمْ لِمَا ذُكِرَ إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْوِيضِهَا بِخَيْرٍ مِنْهُمْ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ فَالْأَظْهَرُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِبْدَالُ مُقَيَّدٌ بِالْخُرُوجِ رَغْبَةً عَنْهَا فَلَا يَرُدُّ أَنَّ الْخَارِجَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ لَمْ تُعَوَّضْ مِثْلَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>