وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ»
ــ
١٦٤٦ - ١٥٩٨ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ جَمْعُ ظَبْيٍ (بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ) أَيْ: تَرْعَى (مَا ذَعَرْتُهَا) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ: مَا أَفْزَعْتُهَا وَنَفَّرْتُهَا، كَنَّى بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ صَيْدِهَا، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْوِيعُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ الْمَدَنِيِّ كَالْمَكِّيِّ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» ) بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَا يَجُوزُ صَيْدُهَا وَلَا قَطْعُ شَجَرِهَا الَّذِي لَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ، وَالْمَدِينَةُ بَيْنَ لَابَتَيْنِ شَرْقِيَّةٍ وَغَرْبِيَّةٍ، وَلَهَا لَابَتَانِ أَيْضًا قِبْلِيَّةٌ وَجَنُوبِيَّةٌ لَكِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِمَا، فَجَمِيعُ دُورِهَا كُلِّهَا دَاخِلُ ذَلِكَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاللَّابَتَانِ دَاخِلَتَانِ أَيْضًا.
قَالَ الْأُبِّيُّ: وَلَعَلَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَإِلَّا فَلَفْظُ " بَيْنَ " لَا يَشْمَلُهُمَا انْتَهَى.
وَفِي بَعْضِ الْإِشَارَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " حَرَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى " وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: " «حَمَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ» " وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أُجْمِلَ مِنْ حَدِّ حَرَمِ الْمَدِينَةِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي إِبَاحَةِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَقَطْعِ شَجَرِهَا وَزَعَمُوا نَسْخَهَا بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ إِلَيْهَا، فَكَانَ بَقَاءُ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ مِمَّا يُقَوِّي الْمَقَامَ بِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَاحْتِجَاجُ الطَّحَاوِيِّ لِلْجَوَازِ بِحَدِيثِ: " «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» " حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ صَيْدَهُ وَلَا إِمْسَاكَهُ.
وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْشِيٌّ فَإِذَا خَرَجَ لَعِبَ وَاشْتَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute