الْمُدَدَ الْمُتَطَاوِلَةَ فَهُوَ خَاصٌّ بِهَا، وَجَزَمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ بِأَنَّ الطَّاعُونَ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ أَيْضًا، مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ دَخَلَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، لَكِنَّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " الْمَدِينَةُ وَمَكَّةُ مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهُمَا مَلَكٌ فَلَا يَدْخُلُهُمَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ " وَحِينَئِذٍ فَالَّذِي نُقِلَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ أَوْ يُقَالُ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا مِنَ الطَّاعُونِ مِثْلُ الَّذِي يَقَعُ فِي غَيْرِهِمَا كَالْجَارِفِ وَعَمَوَاسَ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِتَنِ: " «فَتَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، يَعْنِي الْمَدِينَةَ فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» " وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، فَقِيلَ: لِلتَّبَرُّكِ فَيَشْمَلُهُمَا، وَقِيلَ: لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ دُخُولِ الطَّاعُونِ الْمَدِينَةَ.
(وَلَا الدَّجَّالُ) الْمَسِيحُ الْأَعْوَرُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةُ " لَا يَدْخُلُهَا " مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمُوجَبِ اسْتِقْرَارِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَنْقَابِهَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: الْمُرَادُ لَا يَدْخُلُهُ بِجُنُودِهِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ إِمْكَانَ دُخُولِ الدَّجَّالِ جَمِيعَ الْبِلَادِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ، وَغَفَلَ عَمَّا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِهِ يَكُونُ قَدْرَ السَّنَةِ.
وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " إِلَّا الْكَعْبَةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ " وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ: " وَمَسْجِدَ الطُّورِ " وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " «فَلَا يَبْقَى مَوْضِعٌ إِلَّا وَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَبَلِ الطُّورِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَطْرُدُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ» " اهـ.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الطِّبِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفِتَنِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute