فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُدَارَاةِ أَنَّهَا بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَرُبَّمَا اسْتُحْسِنَتْ، وَالْمُدَاهَنَةُ بَذْلُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِضْ قَوْلُهُ فِيهِ فِعْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ " «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» " حَقٌّ، وَفِعْلَهُ مَعَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ، فَيَزُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ الْإِشْكَالُ اهـ.
أَيِ الَّذِي هُوَ أَنَّ النَّصِيحَةَ فَرْضٌ، وَطَلَاقُ الْوَجْهِ وَإِلَانَةُ الْقَوْلِ يَسْتَلْزِمَانِ التَّرْكَ، وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ لِعَارِضٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَمْ تَكُنْ غِيبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ حِينَ إِذْ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ فِيهِ غِيبَةً أَوْ كَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ نَاصِحًا فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَهُ فَيَكُونَ مَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَأَمَّا إِلَانَةُ الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فَعَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ عُيَيْنَةَ خُتِمَ لَهُ بِسُوءٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَمَّهُ وَأَخْبَرَ بِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَرَّ النَّاسِ.
وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ، وَشَرْطُ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدِ ارْتَدَّ عُيَيْنَةُ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ وَحَارَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَسْلَمَ وَحَضَرَ بَعْضَ الْفُتُوحِ فِي عَهْدِ عُمَرَ.
وَفِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ عُيَيْنَةَ عَلَى الرِّدَّةِ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَا يُذْكَرُ فِي الصَّحَابَةِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَبَادَرَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ طُلَيْحَةَ نَقْلًا عَنِ الْأُمِّ: أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ طُلَيْحَةَ وَعُيَيْنَةَ عَلَى الرِّدَّةِ فَرَاجَعْتُ جَلَالَ الدِّينِ الْبُّلْقِينِيَّ فَاسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ: لَعَلَّهُ قَبِلَهُمَا بِمُوَحَّدَةٍ، أَيْ: قَبِلَ مِنْهُمَا الْإِسْلَامَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute