مِنَ الصَّفْحِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِفْضَاءُ بِصَفْحَةِ الْيَدِ إِلَى صَفْحَةِ الْيَدِ، قَالَهُ الْحَافِظُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُصَافَحَةُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ، وَفِي الْمَشَارِقِ: الْمُصَافَحَةُ بِالْأَيْدِي عِنْدَ السَّلَامِ وَاللِّقَاءِ وَهِيَ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ (يَذْهَبِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَبِالرَّفْعِ، أَيْ: فَبِهِ يَذْهَبُ (الْغِلُّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْحِقْدُ وَالضَّغَانَةُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ مَالِكٌ هَكَذَا مُعْضَلًا، وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا مَقَالٌ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ مِنْ قُلُوبِكُمْ» " وَإِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «تَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ عَنْكُمْ» " فَقَوْلُ السُّيُوطِيِّ: فِي الْمُصَافَحَةِ أَحَادِيثُ مَوْصُولَةٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ عَجِيبٌ مَعَ أَنَّهُ نَفْسَهُ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَدِيثُ مَالِكٍ جَيِّدٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ شَتًّى حِسَانٍ كُلِّهَا، ثُمَّ ذَكَرَهُ بِأَسَانِيدِهِ جُمْلَةً مِنْهَا فِي الْمُصَافَحَةِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَكَأَنَّ السُّيُوطِيَّ اغْتَرَّ بِهِ وَغَفَلَ عَمَّا فِي جَامِعِهِ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَّطَأِ وَعَلَى جَوَازِهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَفِيهِ آثَارٌ حِسَانٌ، (وَتَهَادَوْا) بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ تَحَابُّوا، قَالَ الْحَافِظُ لِلْحَاكِمِ: إِنْ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ فَمِنَ الْمَحَبَّةِ وَإِنْ كَانَ بِالتَّخْفِيفِ فَمِنَ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَحَثَّ عَلَيْهِ خُلَفَاؤُهُمُ الْأَوْلِيَاءُ تُؤَلِّفُ الْقُلُوبَ وَتَنْفِي سَخَائِمِ الصُّدُورِ، وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ سُنَّةٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ مَا فِيهِ مِنَّةٌ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو يَعْلَى وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَهَادَوْا (تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ) » بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ وَالْمَدِّ، الْعَدَاوَةُ ; لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ جَالِبَةٌ لِلرِّضَا وَالْمَوَدَّةِ فَتُذْهِبُ الْعَدَاوَةَ.
وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» " بِوَاوٍ فَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فِرَاءٍ، أَيْ: غِلَّهُ وَغِشَّهُ وَحِقْدَهُ.
وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ بِالسَّخِيمَةِ» " قَالَ يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْغِلُّ.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَهَادَوْا فَإِنَّهُ يُضَعِّفُ الْوُدَّ وَيُذْهِبُ بِغَوَائِلِ الصَّدْرِ» " وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَحْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بِالرَّضِيِّ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى.
لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَدَّاعٍ الْخُزَاعِيَّةِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُضَعِّفُ الْحُبَّ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ» " وَتُضَعِّفُ بِالتَّثْقِيلِ، أَيْ: تُزِيدُهُ وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: