كَانَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى تَفْرُغَ الْإِقَامَةُ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَرَوْهُ.
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: " أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَبَ الْقِيَامُ، وَإِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ عُدِلَتِ الصُّفُوفُ، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَبَّرَ الْإِمَامُ "، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: " يَقُومُونَ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ، فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ " وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُفَصِّلِينَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِهِ، وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «إِنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُرَاقِبُ خُرُوجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوَّلُ مَا يَرَاهُ يَشْرَعُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ غَالِبُ النَّاسِ، ثُمَّ إِذَا رَأَوْهُ قَامُوا فَلَا يَقُومُ فِي مَقَامِهِ حَتَّى تَعْتَدِلَ صُفُوفُهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " «كَانُوا سَاعَةَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنَ اللَّهُ أَكْبَرُ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَأْتِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ» وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» " وَلَفْظُهُ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ: " وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا "، وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ: " «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَتَى فَقَامَ مَقَامَهُ» " فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا وَقَعَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَبِأَنَّ صُنْعَهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ سَبَبَ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ سَاعَةَ تُقَامُ الصَّلَاةُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالٍ أَنْ يَقَعَ لَهُ شُغْلٌ يُبْطِئُ فِيهِ عَنِ الْخُرُوجِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُهُ، وَلَا يَرُدُّ هَذَا حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَامَ فِي مَقَامِهِ طَوِيلًا فِي مُنَاجَاةِ بَعْضِ الْقَوْمِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ نَادِرًا أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى.
(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ حُضُورٍ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا الْمَكْتُوبَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا وَلَا يُؤَذِّنُوا قَالَ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ) إِذِ الْأَذَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِعَطَاءٍ.
(وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكِّدَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَوَاجِبُ كِفَايَةٍ، فَلَوِ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَمِنَ الْعَلَامَاتِ الْمُفَرِّقَةِ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْكَفْرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute