( «لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» ) ذُنُوبُهُ الصَّغَائِرُ بِغَيْرِ وَسِيلَةِ طَاعَةٍ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِحَدِيثِ " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» " (إِلَّا رَجُلًا) لِأَنَّهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَلَامٍ مُوجَبٍ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ، قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَى الرَّفْعِ الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ: لَا يَبْقَى ذَنْبُ أَحَدٍ إِلَّا ذَنْبَ رَجُلٍ وَهُوَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ وَالْمُرَادُ إِنْسَانٌ ( «كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ» ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، أَيْ: عَدَاوَةٌ (فَيُقَالُ أَنْظِرُوا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ النَّازِلَةِ بِهَدَايَا الْمَغْفِرَةِ أَخِّرُوا وَأَمْهِلُوا (هَذَيْنِ) أَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَدَلَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّنْفِيرِ، وَالتَّعْبِيرُ يَعْنِي لَا تُعْطُوا مِنْهَا أَنْصِبَاءَ رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ (حَتَّى) تَرْتَفِعَ وَ (يَصْطَلِحَا) وَلَوْ بِمُرَاسَلَةٍ عِنْدَ الْبُعْدِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ هُنَا مِنْ تَقْدِيرِ مَنْ يُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ أَنْظِرُوا كَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا غَفَرَ لِلنَّاسِ سِوَاهُمَا قِيلَ ( «أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» ) وَكَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْعَدَاوَةِ وَإِدَامَةِ الْهَجْرِ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يَقْبَلْ غُفِرَ لِلْمُصَالِحِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِذَا كَانَ الْهَجْرُ لِلَّهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَابْنَ عُمَرَ هَجَرَ ابْنًا لَهُ حَتَّى مَاتَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الشَّحْنَاءَ مِنَ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكَبَائِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ اسْتَثْنَى غُفْرَانَهَا وَخَصَّهَا بِذَلِكَ؟ وَأَنَّ ذُنُوبَ الْعِبَادِ إِذَا وَقَعَ بَيْنَهُمُ الْمَغْفِرَةُ وَالتَّجَاوُزُ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا مِنَ اللَّهِ لِقَوْلِهِ حَتَّى يَصْطَلِحَا فَإِذَا اصْطَلَحَا غَفَرَ لَهُمَا ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبِهِمَا انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ لَكِنْ قَالَ: إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَوِ الْجَمْعِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ وَوَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute