( «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ» ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْهُمْ بِقَرِينَةِ تَرْتِيبِهِ الْمَغْفِرَةَ عَلَى الْعَرْضِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا ذَنْبَ لَهُ يُغْفَرُ ( «كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ» ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَرَادَ بِالْجُمُعَةِ الْأُسْبُوعَ فَعَبَّرَ عَنِ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَمَا يَتِمُّ بِهِ وَيُوجَدُ عِنْدَهُ وَالْمَعْرُوضُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَلَكٌ يُوَكِّلُهُ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ صُحُفِ الْأَعْمَالِ وَضَبْطِهَا انْتَهَى.
وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى اللَّهِ. . . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُمُعَةِ يَوْمَهَا لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ: ( «يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» ) وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْعَرْضُ قَدْ يَكُونُ بِنَقْلِ الْأَعْمَالِ مِنْ صَحَائِفِ الْحَفَظَةِ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ، وَلَعَلَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٩] [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: الْآيَةُ ٢٩] قَالَ الْحَسَنُ: الْخَزَنَةُ تَسْتَنْسِخُ مِنَ الْحَفَظَةِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَرْضُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ لِيُبَاهِيَ سُبْحَانَهُ بِصَالِحِ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ الْمَلَائِكَةَ كَمَا يُبَاهِيهِمْ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، وَقَدْ يَكُونُ لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ الْمَقْبُولَ مِنَ الْأَعْمَالِ مِنَ الْمَرْدُودِ كَمَا جَاءَ: " «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَصْعَدُ بِصَحَائِفِ الْأَعْمَالِ لِتَعْرِضَهَا عَلَى اللَّهِ فَيَقُولُ ضَعُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: وَعِزَّتِكَ مَا عَلِمْنَا إِلَّا خَيْرًا، فَيَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ لِغَيْرِي وَلَا أَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجِهِي» " ( «فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدِ مُؤْمِنٍ» ) ذُنُوبَهُ الْمَعْرُوضَةَ عَلَيْهِ (إِلَّا عَبْدًا) بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَلَامٍ مُوجَبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَبْدٌ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ فَلَا يُحْرَمُ أَحَدٌ مِنَ الْغُفْرَانِ إِلَّا عَبْدٌ، وَمِنْهُ: " فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ " بِالرَّفْعِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
( «كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا» ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ: يَرْجِعَا عَمَّا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالتَّبَاغُضِ إِلَى الصُّلْحِ، وَأَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَدَلَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّعْيِيرِ وَالتَّنْفِيرِ (أَوْ) قَالَ ( «أَرْكُوا» ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْكَافِ، أَيْ: أَخِّرُوا (هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا) شَكَّ الرَّاوِي، يُقَالُ: أَرْكَيْتُ الشَّيْءَ أَخَّرْتُهُ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثُ مَا صَحَّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ» "، قَالَ الْوَالِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لِاحْتِمَالِ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ فَتُعْرَضُ عَرْضًا بَعْدَ عَرْضٍ، وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ يَسْتَأْثِرُ بِهَا، مَعَ أَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ أَوْ عَلَيْهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ فِي الْيَوْمِ تَفْصِيلًا وَفِي الْجُمُعَةِ إِجْمَالًا أَوْ عَكْسُهُ انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّارٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَالِكٌ فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا بِهِ، وَتَابَعُهُ سُفْيَانُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute