(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ) أَيْ: لَا يَرْحَمُ، فَالنَّظَرُ نِسْبَتُهُ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ وَإِلَى الْمَخْلُوقِ كِنَايَةٌ، لِأَنَّ مَنِ اعْتَنَى بِالشَّخْصِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْإِحْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَظَرٌ، فَإِذَا نُسِبَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازًا عَمَّا وَقَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كِنَايَةً، قَالَهُ فِي الْكَوَاكِبِ تَبَعًا لِلْكَشَّافِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: عُبِّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ، فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُسَبَّبَانِ عَنِ النَّظَرِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ الدَّائِمَةِ خِلَافَ رَحْمَةِ الدُّنْيَا فَقَدْ تَنْقَطِعُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْحَوَادِثِ (إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، قَالَ عِيَاضٌ: جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَجُرُّ، أَيْ: تَكَبُّرًا وَطُغْيَانًا، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْكِبْرِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبَطَرِ دَهْشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْإِزَارِ ; لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ فَلَمَّا لَبِسَ النَّاسُ الْقُمُصَ وَالدَّرَارِيعَ كَانَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْإِزَارِ فِي ذَلِكَ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالثَّوْبِ أَنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ، يَعْنِي: فَلَا دَاعِيَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute