(نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَقَالَ) كَعْبٌ (لِمَ خَلَعْتَ نَعْلَيْكَ لَعَلَّكَ تَأَوَّلْتَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [طه: ١٢] الْمُطَهَّرِ أَوِ الْمُبَارَكِ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ فَطَأْهُ لِتُصِيبَ قَدَمَيْكَ بَرَكَتَهُ (طُوًى) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ بِالتَّنْوِينِ وَتَرْكُهُ مَصْرُوفٍ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلتَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ.
(ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ لِلرَّجُلِ: أَتَدْرِي مَا كَانَتْ نَعْلَا مُوسَى؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي مَا أَجَابَهُ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ) فَهَذَا سَبَبُ أَمْرِهِ بِخَلْعِهِمَا فَأَخْذُ الْيَهُودِ مِنْهُ لُزُومَ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ مَدْبُوغَةً فَتَرَكَ ذِكْرَ الدِّبَاغِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِجَرْيِ الْعَادَةِ بِدِبَاغِهَا قَبْلَ لُبْسِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ شَرْعَ مُوسَى اسْتِعْمَالُهَا بِلَا دِبَاغٍ وَهَذَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لِأَنَّ كَعْبًا مِنْ أَحْبَارِهَا، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: «كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ وَجُبَّةُ صُوفٍ وَكُمَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ» " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍالْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حُمَيْدًاالْأَعْرَجَ هُوَ ابْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ، وَقِيلَ: ابْنُ عَمَّارٍ أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ الْبُخَارِيَّ فَقَالَ: حُمَيْدٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّصَوُّفِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا جَعَلَ ثِيَابَهُ كُلَّهَا صُوفًا لِأَنَّهُ كَانَ بِمَحَلٍّ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فِيهِ سِوَاهُ، فَعَمِلَ بِالْيُسْرِ وَتَرَكَ التَّكَلُّفَ وَالْعُسْرَ، وَكَانَ مِنَ الِاتِّفَاقِ الْحَسَنِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ اللِّبْسَةِ الَّتِي لَمْ يَتَكَلَّفْهَا.
وَقَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا لِلتَّوَاضُعِ وَتَرْكِ التَّنَعُّمِ أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا هُوَ أَرْفَعُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا عَنْ قَصْدٍ بَلْ كَانَ يَلْبَسُ كُلَّ مَا وَجَدَ كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، وَكُمَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَشَدِّ الْمِيمِ قَلَنْسُوَةٌ صَغِيرَةٌ أَوْ مُدَوَّرَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute