" «كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ» "، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْعُفْرَةُ: بَيَاضٌ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آثَارَ الشَّعْرِ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَكَانَ أَعْفَرَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ خَالِيًا عَنْ نَبَاتِ الشَّعْرِ جُمْلَةً، لَمْ يَكُنْ أَعْفَرَ، نَعَمْ، الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِإِبْطَيْهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ انْتَهَى.
وَقَدْ تَمْنَعُ دَلَالَتُهُ عَلَى مَا قَالَ بِأَنَّ شَأْنَ الْمَغَابِنِ أَنَّهَا أَقَلُّ بَيَاضًا مِنْ بَاقِي الْجَسَدِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِبَيَاضِ إِبْطَيْهِ، فَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا شَعْرٌ فَكَانَا كَلَوْنِ جَسَدِهِ، ثُمَّ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا شَعْرٌ الْبَتَّةَ، وَقِيلَ: كَأَنَّ لِدَوَامِ تَعَاهُدِهِ لَهُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَعْرٌ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ: " «حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ» "، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْأَعْفَرَ: مَا بَيَاضُهُ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ، وَهَذَا شَأْنُ الْمَغَابِنِ تَكُونُ لَوْنُهَا فِي الْبَيَاضِ دُونَ لَوْنِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ.
(وَحَلْقُ الْعَانَةِ) بِالْمُوسَى، وَفِي مَعْنَاهُ الْإِزَالَةُ بِالنَّتْفِ وَالنُّورَةِ، لَكِنْ بِالْمُوسَى أَوْلَى بِالرَّجُلِ لِتَقْوِيَةِ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، فَالْأَوْلَى لَهَا النَّتْفُ.
وَاسْتَشْكَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الزَّوْجِ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَحَلِّ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ، انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ "، وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ تَفْصِيلٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ شَابَّةً، فَالنَّتْفُ أَوْلَى فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَرْبُو مَكَانَ النَّتْفِ، وَإِنْ كَانَتْ كَهْلَةً الْأَوْلَى الْحَلْقُ ; لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ، وَلَوْ قِيلَ فِي حَقِّهَا بِالتَّنْوِيرِ مُطْلَقًا لَمَا بَعُدَ.
وَرَوَى أَنَسٌ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ، وَكَانَ إِذَا كَثُرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ» ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا طَلَى بَدَأَ بِعَانَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنُّورَةِ، وَسَائِرَ جَسَدِهِ» "، أَهْلُهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ أُعِلَّ بِالِانْقِطَاعِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ صِحَّتَهُ.
وَرَوَى الْخَرَائِطِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَوِّرُهُ الرَّجُلُ، فَإِذَا بَلَغَ مَرَاقَّهُ تَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ» "، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَرَدَ فِي النُّورَةِ أَحَادِيثُ هَذَا أَمْثَلُهَا: قَالَ السُّيُوطِيُّ: هُوَ مُثْبَتٌ وَأَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ النَّفْيِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَاسْتِعْمَالُهَا مُبَاحٌ لَا مَكْرُوهٌ.
(وَالِاخْتِتَانُ) ، وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ مِنَ الرَّجُلِ، وَقَطْعُ بَعْضِ الْجِلْدَةِ الَّتِي بِأَعْلَى الْفَرْجِ مِنَ الْمَرْأَةِ، كَالنَّوَاةِ، أَوْ كَعُرْفِ الدِّيكِ، وَيُسَمَّى خِتَانُ الرَّجُلِ: إِعْذَارًا، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ: خَفْضًا - بِمُعْجَمَتَيْنِ - هَذَا وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ» ، فَذَكَرَ مَا هُنَا إِلَّا الْخِتَانَ، وَزَادَ: «إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ» "، وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَفَعَهُ: " زِيَادَةُ الِانْتِضَاحِ "، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "، وَلِأَبِي عَوَانَةَ زِيَادَةُ: " الِاسْتِنْثَارُ "، وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: ١٢٤] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٢٤) ، ذَكَرَ مَفْرِقَ الرَّأْسِ، فَالْحَصْرُ فِي رِوَايَةِ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ لَيْسَ بِمُرَادٍ.