للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُفْتَحُ - أَيِ الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ (بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ) يَسْأَلُهُمُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ، (فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ، وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ) - بِفَوْقِيَّةٍ فِيهِمَا - أَيْ عِنْدَ طَوَافِهِ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ قُوَّتِهِ، وَرُبَّمَا يَقَعُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَّافِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّوَّافَ الْمُحْتَاجُ الْمِسْكِينُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ} [البقرة: ١٧٧] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٧٧) الْآيَةَ.

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «أَتُدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ» ؟ (قَالُوا فَمَا) كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ، وَلِغَيْرِهِ فَمَنْ، كَذَا، قِيلَ: وَقَدْ رَوَاهُ قُتَيْبَةُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ مَا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحِزَامِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ عَنِ الصِّفَةِ، وَهِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَمَا يَقَعُ عَنْ صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ يُقَالُ فِيهِ مَا نَحْوَ: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ ٣) ، فَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ، (الْمِسْكِينُ) : الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ، (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ) ، وَسَقَطَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عَقِبَ اللُّقْمَتَانِ: وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ: (الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى) - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ - أَيْ يَسَارًا، (يُغْنِيهِ) صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْيَسَارِ الْمَنْفِيِّ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْتَنِيَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفِيَ أَصْلِ الْيَسَارِ، وَلِأَنْ يَكُونَ نَفْيَ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِهِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ.

(وَلَا يُفْطَنُ) - بِضَمِّ الطَّاءِ، وَفَتْحِهَا - أَيْ لَا يَتَنَبَّهُ (النَّاسُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ) - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ - (وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ) ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الْبُخَارِيِّ: " وَيَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَ، وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا "، قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْمُضَارِعُ الْوَاقِعُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَنْفِيِّ الْمَرْفُوعِ، فَيَنْسَحِبُ النَّفْيُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يُفْطَنُ فَلَا يُتَصَدَّقُ، وَلَا يَقُومُ فَلَا يَسْأَلُ، وَبِالنَّصْبِ فِيهِمَا بِأَنْ مُضْمِرَةٍ وُجُوبًا، لِوُقُوعِهِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ بَعْدَ الْفَاءِ، انْتَهَى.

وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى النَّصْبِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٧٣) ، أَنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ السُّؤَالِ أَصْلًا، أَوْ نَفْيُ السُّؤَالِ بِالْإِلْحَافِ خَاصَّةً، فَلَا يُنَفَى السُّؤَالُ بِغَيْرِهِ،

وَالثَّانِي أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا.

وَقَدْ يُقَالُ: لَفْظَةُ يَقُومُ تَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ فِي السُّؤَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيِ أَصْلِهِ، وَالتَّأْكِيدُ فِي السُّؤَالِ هُوَ الْإِلْحَافُ، وَهُوَ الْإِلْحَاحُ، مُشْتَقٌّ مِنَ اللِّحَافِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى وُجُوهِ الطَّلَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَاشْتِمَالِ اللِّحَافِ فِي التَّغْطِيَةِ.

وَزَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>