( «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ» ) ، أَيْ حِلَابَهَا كُلَّهُ، (ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ - (سَبْعِ شِيَاهٍ) ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ «عَنْ جَهْجَاهٍ: " أَنَّهُ قَدِمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ، فَحَضَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ، قَالَ: يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِي، وَكُنْتُ رَجُلًا عَظِيمًا طِوَالًا لَا يُقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَنْزِلِهِ فَحَلَبَ لِي عَنْزًا، فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى حَلَبَ لِي سَبْعَةَ أَعْنُزٍ، فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ بِصَنِيعِ بُرْمَةٍ فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَجَاعَ اللَّهُ مَنْ أَجَاعَ رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، قَالَ: مَهْ يَا أُمَّ أَيْمَنَ أَكَلَ رِزْقَهُ، وَرِزْقُنَا عَلَى اللَّهِ (ثُمَّ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا) » ، وَفِي حَدِيثِ جَهْجَاهٍ: " «فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَنْزِلِهِ، فَحُلِبَتْ لِي عَنْزٌ فَتَرَوَّيْتُ وَشَبِعْتُ، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هَذَا ضَيْفَنَا؟ فَقَالَ: بَلَى "، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) » مِنْ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ، (وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) الَّتِي هِيَ جَمِيعُ أَمْعَائِهِ.
قَالَ عِيَاضٌ: عِنْدَ أَهْلِ التَّشْرِيحِ: إِنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ: الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ، ثُمَّ الصَّائِمُ، ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ، ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقَوْلُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَطَرَفَةُ الدُّبُرِ، وَكُلُّهَا غِلَاظٌ، وَقَدْ نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ فِي قَوْلِهِ:
سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ لِكُلِّ آدَمِي ... مَعِدَةٌ بَوَّابُهَا مَعْ صَائِمِ
ثُمَّ الرَّقِيقُ أَعْوَرُ قُولُونُ مَعْ ... الْمُسْتَقِيمِ مَسْلَكُ الْمَطَاعِمِ
وَفِي الشُّرْبِ مَا سَبَقَ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْعَشْرَةِ، وَفِيهِ كَسَابِقِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَقْلِيلِ الْأَكْلِ.
وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا: " «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " شَرْحِ الْأَسْمَاءِ ": لَوْ سَمِعَ بِقْرَاطُ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ لِبَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ كَلَامًا فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ أَحْكَمَ مِنْهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: خَصَّ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَطْنِ سِوَاهَا.
وَهَلِ الْمُرَادُ الثُّلُثُ الْمُسَاوِي حَقِيقَةً، وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute