مِنْهُ (عَنْ فِيكَ) عِنْدَ الشُّرْبِ نَدْبًا، وَلَا تَشْرَبْ كَالْبَعِيرِ، فَإِنَّهُ يَتَنَفَّسُ عِنْدَ الشُّرْبِ فِيهِ.
(ثُمَّ تَنَفَّسْ) فَإِنَّهُ أَحْفَظُ لِلْحُرْمَةِ وَأَنْفَى لِلنَّهْمَةِ، وَأَبْعَدُ عَنْ تَغَيُّرِ الْمَاءِ، وَأَصْوَنُ عَنْ سُقُوطِ الرِّيقِ فِيهِ، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْبَهَائِمِ فِي كَرْعِهَا، فَالتَّشَبُّهُ بِهَا مَكْرُوهٌ شَرْعًا وَطَبْعًا.
بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِإِبَانَةِ الْقَدَحِ إِنَّمَا يُخَاطَبُ بِهِ مَنْ لَمْ يَرْوَ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ عَبٍّ، وَإِلَّا فَلَا إِبَانَةَ، قَالَهُ فِي الْمُفْهِمِ.
وَفِي التَّمْهِيدِ عَنْ مَالِكٍ: فِيهِ إِبَاحَةُ الشُّرْبِ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ الرَّجُلَ عَنْهُ، بَلْ قَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ: إِنْ كُنْتَ لَا تَرْوَى مِنْ وَاحِدٍ، فَأَبِنِ الْقَدَحَ، انْتَهَى.
وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ شُرْبُ الشَّيْطَانِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْبَهَائِمِ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «لَا تَشْرَبُوا وَاحِدَةً كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثَلَاثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ» "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ فِي نَفَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى كَوْنُهُ ثَلَاثًا.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا» "، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا شَرِبَ تَنَفَّسَ مَرَّتَيْنِ» "، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ، فَفَعَلَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِجَوَازِ النَّقْصِ عَنْ ثَلَاثٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَرَّتَيِ التَّنَفُّسِ الْوَاقِعَتَيْنِ أَثْنَاءَ الشُّرْبِ، وَأَسْقَطَ الثَّالِثَةَ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الشُّرْبِ فَهِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاقِعِ، وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: " «كَانَ شُرْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفَسِ وَاحِدٍ» "، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ، وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَشْرَبْ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ» "، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، فَمَحْمُولَانِ عَلَى تَرْكِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ.
(قَالَ) الرَّجُلُ: (فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ) : عُودٌ أَوْ شَيْءٌ يَتَأَذَّى بِهِ الشَّارِبُ يَقَعُ (فِيهِ) ، أَيِ الْقَدَحِ.
(قَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَأَهْرِقْهَا) : صُبَّهَا مِنْهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute