للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدِيثَ: " «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدُكُمْ قَائِمًا» "، بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عُمَرَ بْنَ حَمْزَةَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَغَايَةُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ، وَمِثْلُهُ يُخَرِّجُ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَقَدْ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ حِبَّانَ، فَالْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ صَحِيحٌ، انْتَهَى.

لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنْ مُسْلِمًا أَخْرَجَ لَهُ هُنَا أَصْلًا لَا مُتَابَعَةً.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَعَلَّ النَّهْيَ يَنْصَرِفُ لِمَنْ أَتَى أَصْحَابَهُ بِمَاءٍ، فَبَادَرَ لِشُرْبِهِ قَائِمًا قَبْلَهُمُ اسْتِبْدَادًا وَخُرُوجًا عَنْ كَوْنِ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرَهُمْ شُرْبًا، وَأَيْضًا فَأُمِرَ بِالِاسْتِقَاءِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيءَ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا مَرْفُوعٌ، وَالْأَظْهَرُ لِي أَنَّ شُرْبَهُ قَائِمًا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَالنَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى وَأَكْمَلُ ; لِأَنَّ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا ضَرَرًا مَا فَكُرِهَ مِنْ أَجْلِهِ، وَفَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْنِهِ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ "، عَلَى أَنَّهُ يُحَرِّكُ خَلْطًا يَكُونُ الْقَيْءُ دَوَاءَهُ.

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِدَاءِ الْبَطْنِ، انْتَهَى.

وَعَلَيْهِ فَالنَّهْيُ طِبِّيٌّ إِرْشَادِيٌّ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِلْمَرْءِ ثَمَانِيَةُ أَحْوَالٍ: قَائِمٌ مَاشٍ مُسْتَنِدٌ رَاكِعٌ سَاجِدٌ مُتَّكِئٌ قَاعِدٌ مُضْطَجِعٌ، كُلُّهَا يُمْكِنُ الشُّرْبُ فِيهَا، وَأَهْنَؤُهَا وَأَكْثَرُهَا اسْتِعْمَالًا الْقُعُودُ، وَأَمَّا الْقِيَامُ فَنُهِيَ عَنْهُ لِأَذِيَّتِهِ لِلْبَدَنِ.

وَلِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ:

إِذَا رُمْتَ تَشْرَبُ فَاقْعُدْ تَفُزْ ... بِسُنَّةِ صَفْوَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ

وَقَدْ صَحَّحُوا شُرْبَهُ قَائِمًا ... وَلَكِنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>